حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١)

 

تفسير آية (١٠٢) من سورة النساء من خلال أحسن التفسير (القرءان العظيم):
"وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا".

أهدي مقالتي هذه جميع المؤمنين والمؤمنات فقط بالصلاة الحقيقيَّة، أي بكتاب الله جلَّ في علاه.

السلام على من سجد لصلاته (خضع وآمن وعَمِلَ بالقرءان الكريم وبلَّغه).

 

(١): إخوتي وأخواتي الكِرام أرجوا منكم أن تربطوا آيات سورة النساء من آية (٩٤) إلى آية (١٠٦) وتضربوها ببعضها لكي تتدبَّروا مفهوم آية (١٠٢)، لأنَّ أكثر الناس يعتقدون بأنَّ هذه الآية دلالة على الصلاة الحركيَّة، عِلْمًا أنَّ الله تعالى لم يذكر لنا في كتابه العزيز تفصيل الخمس أو الثلاث صلوات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

* سورة النساء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿٩٤﴾ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٩٥﴾ دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٩٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٩٧﴾ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴿٩٨﴾ فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿٩٩﴾ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٠﴾ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿١٠١﴾ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴿١٠٢﴾ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴿١٠٣﴾ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٠٤﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٦﴾.

 

(٢): إذا تدبَّرنا تلك الآيات البيِّنات بتتابُع وربطنا مفهومها بعضها ببعض، نجد أنَّ الضَّرب في سبيل الله في آية (٩٤) هو الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس في آية (٩٥)، وهو الهجرة في أرض الله الواسعة في آية (٩٧)، وهو الهجرة في سبيل الله في آية (١٠٠)، وهو الضَّرب في الأرض لإقامة الصلاة في آية (١٠١)، وهو الهدف الّذي من أجلِهِ أقام الرسول محمد عليه السلام الصلاة لِقومِهِ والهدف الّذي من أجلِهِ تَعَلَّمَ قومَه الصلاة في آية (١٠١) و(١٠٢) و(١٠٣)، وهو ذكر الله وإقامة الصلاة في آية (١٠٣) بهدف ابتغآء القوم في آية (١٠٤)، وهو الحُكْم بين الناس بكتاب الله وذلك بتوصيل رسالة القرءان ونشر العدل، أي الإصلاح بين الناس في آية (١٠٥)، وهو الاستغفار لله في آية (١٠٦).

إذا عدنا وقرأنا من آية (١٠١) إلى آية (١٠٦)، نجد في تلك الآيات تفصيلاً واضحًا من الله تعالى وحثّْ على كيفية إقامة الصلاة، أي إقامة العدل بإقامة القرءان الكريم وبتبليغ رسالتِهِ لجميع الناس في الأرض.

 

(٣): لقد أخبرنا الله تعالى في آية (١٠١) أنَّ المؤمن يستطيع أن "يُقْصِرْ من الصلاة"، أي من تعلُّمِهِ للقرءان أو تبليغ الرسالة في الأرض إذا كان هناك خطر على حياته من الكُفّار.

أمّا آية (١٠٢) إلى (١٠٦) نجد فيهما تفصيلاً ومعنًى واضحًا لكيفية إقامة الرسول محمد عليه السلام والمؤمنين للصلاة في الأرض.

في آية (١٠٢) نرى أنَّ الرسول محمد عليه السلام كان يُقيم الصلاة بتعليم تلك الصلاة لمجموعة من الناس، وعندما تسجد هذه المجموعة، أي تخضع وتتعلّم الصلاة وتطمئنّ من أذى الكُفّار والمُشركين، تذهب بعدها لإقامة الصلاة في الأرض، وبعدها تأتي مجموعة أخرى عند الرسول محمد لكي يُقيم لها الصلاة، وعندما تسجد هذه المجموعة الأخرى، أي تتعلّم الصلاة، تذهب هي أيضًا في الأرض لإقامتِها، وبعدها تأتي مجموعة ثالثة من الناس لتتعلّم الصلاة عند الرسول وتفعل كما فعلت المجموعات الّتي سبقتها، ويجب على كل مجموعة أن تأخذ حِذرها وَأَسْلحتها لكي لا يميلوا عليها الكُفَّار ميلة واحدة، لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ في آية (١٠٣):
"فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا".

في آية (١٠٢) نرى أنَّ الرسول محمد عليه السلام كان يُقيم الصلاة لكل مجموعة من الناس لم تتعلّم الصلاة بعد وكان يُعيد إقامة الصلاة لمجموعات مختلفة في أوقات مٌختلفة، مِمّا يدُلُنا بل يؤكِّد لنا أنَّ الصلاة الّتي أقامها الرسول هي تعليم القرءان وليست الصلوات الخمس، في هذه الآيات نرى بوضوح كيف كان محمد عليه السلام يُعطي ويُعَلّم رسالة القرءان لقومه وللناس أجمعين.

 

(٤): أمّا قول الله تعالى في آية (١٠٣): "... إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا"، فهي تدلُّنا على أهمية تعلُّم الصلاة، أي القرءان، وأهمّية إقامتها، أي تبليغ رسالة القرءان في الأرض، لأنَّ الصلاة هي قانون الله عزَّ وجلّْ الّذي فَرَضَهُ على المؤمنين، وهذا الفرض أو القانون له وقت معلوم في الأرض، والبُرهان المُبين نجده في آية (٨٥) من سورة القصص:

* سورة القصص
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٨٥﴾.

في هذه الآية الكريمة نرى بوضوح تامّ أنَّ القرءان هو فرض من الله تعالى، وبما أنَّ القرءان هو فرض من الله تعالى، وبما أنَّ الصلاة كما قال تعالى في آية (١٠٣) في سورة النساء: "... كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا"، إذًا فإنَّ الصلاة هي فرض من الله جلَّ في عُلاه.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٨٥) في سورة القصص: "إنَّ الّذي فرض عليك القرءان..." هو تمامًا كقوله تعالى في آية (١٠٣) في سورة النساء: "... إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا" فالله عزَّ وجلّْ كما فرض الصلاة، أي قانونه على محمد عليه السلام، فرضها أيضًا على المؤمنين، إذاً فالصلاة هي قانون الله، أي هي القرءان الحكيم.

إذا قرأنا كل آيات القرءان لا نجد ولا حتى آية واحدة فيه تقول: "إنَّ الّذي فرض عليك الخمس صلوات" بل على العكس تمامًا نجد وبوضوحٍ تامّ قول الله تعالى لمحمد عليه السلام في آية (٨٥) في سورة القصص: "إنَّ الّذي فرض عليك القرءان..." فهل هذه الآية صُدفة؟

 

(٥): الدليل على أنَّ الصلاة الّتي أقامها الرسول محمد عليه السلام والمؤمنين في آية (١٠٢) و(١٠٣) هي تبليغ رسالة القرءان للناس في الأرض ونشر العدل والإصلاح والنهي عن الفساد، نجدُهُ في قول الله تعالى في الآيات التالية، من آية (١٠٤) إلى (١٠٦):

* سورة النساء
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٠٤﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٦﴾.

إنَّ آية (١٠٤) تُعطينا معنى كيفيَّة إقامة الصلاة، أمّا آية (١٠٥) فهي تؤكِّدْ لنا أنَّ إقامة الصلاة هي إقامة كتاب الله، أي القرءان والحُكْم بين الناس بِهِ، وهذه الآية هي إعلامًا بل تأكيدًا من الله تعالى على أنَّ الصلاة الّتي أقامها الرسول محمد في الناس في آية (١٠٢) هي الحُكْم بين الناس بالحق من خلال ما أراه الله في كِتابِهِ، ولذلك أكمل الله تعالى آياتِهِ من آية (١٠٢) إلى (١٠٥) بآية (١٠٦) لكي يُخبرنا أنَّ الاستغفار لا يكون إلاَّ بالصلاة وإقامتها، وإنَّ إقامة الرسول محمد عليه السلام للصلاة، أي تبليغ وتوصيل رسالة القرءان للناس أجمعين في الأرض والحُكْم بين الناس بالحق من خلال ما أراه الله في كتابِهِ، هو في الحقيقة استغفار من الرسول محمد عليه السلام لله تعالى، وهذا هو المعنى الحقيقي لكيفية استغفار الرسول محمد واستغفارنا الله، فالقرءان العظيم هو كتاب الغفران، لأنه هو الّذي يساعدنا على التوبة وطهارة أنفسنا ويَضَعُنا في الطريق المستقيم.

لا صلاة حركيَّة في قرءان الله العظيم شاء من شاء وأبى من أبى، والسلام على من اتَّبع الهدى، والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

420 Jul 31 2018