ما المقصود بوادٍ غيرِ ذي زَرْع الذي أسكن إبراهيم ذرِّيَّته فيه؟

 

ما المقصود بوادٍ غيرِ ذي زَرْع الذي أسكن إبراهيم ذرِّيَّته فيه؟

 

وما الضرورة التي اقتضت أن يكون الوادي غير ذي زَرْع حتى تُقيم ذرِّيَّة إبراهيم عليه السلام الصلاة فيه؟

وهل الواِدي غير ذي زَرْع هو مكان لا ينبت فيه البطيخ والباذنجان...؟

 

* سورة إبراهيم
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾.

السلام على كل من أسكن ذرِّيَّته بوادِ غير ذي زَرْع ليقيموا الصلاة، أي ليقيموا كتاب الله عزَّ وجلّ في الناس، ويدعونهم إلى تطبيقه والعَمَل به بالخير والعدل والإحسان والإصلاح.

* سورة النحل
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾.

* سورة الأعراف
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٥٥﴾ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾.

 

(١): إخوتي وأخواتي الكِرام، كثيرًا ما سمعنا من مزاعم السلف الطالح والملحدين ونواياهم الخبيثة المشكِّكة في القصة الكاذبة المنسوبة لإبراهيم عليه السلام عندما أمره الله وِفْق رواياتهم الخبيثة أن يترك زوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل عليه السلام في الصحراء، وأنا لا أريد أن أخوض بتفاصيل هذه القصة التي حرَّفوا معانيها السامية وعِبَرها العظيمة وألبسوها ظنونهم وتفسيراتهم السطحية الخبيثة فسقطت المعاني وضاعت العِبَر، هذه القصة مأخوذة من كتاب العهد القديم الخبيث لذلك هنيئًا لأئمَّة الفسوق والعصيان بدينهم السني الشيعي اليهودي.

أيُّها الأمِّيون هل يُعقل أن يأمر الرحمن الرحيم إبراهيم أن يترك زوجته ورضيعها في أرضٍ صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، ذات شمس حارقة تعجُّ بمخاطر قُطَّاعي الطُرق والأفاعي والعقارب وغيرَها من الحيوانات المفترسة؟

وهل يُعقل أن يكون الإله ظالمًا ويوحي إلى إبراهيم أن يكون قاسيَ القلب؟

تعالوا معًا إخوتي وأخواتي الأفاضل لنستقي أجمل العِبَر وأسمى المعاني من قصة إبراهيم عليه السلام وذرِّيَّته من خلال آيات كتاب الله العظيم كما أراد الله عزَّ وجلّ لنا أن نفهمها.

 

(٢): آية (٣٧): "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ...": الواد غير ذي زَرْع هو كناية عن الأرض الميتة التي شاع فيها الفساد والقوانين الظالمة وحُرِّفت فيها الرسالات، وأضاع سكّانها الأموات (القاسية قلوبهم من ذكر الله) الصلاة واتَّبعوا الشهوات، وفُقِدَ فيها الأمن بغياب الإيمان، وهو كناية أيضًا عن البلد الخبيث الذي لا يخرج نباته إلَّا نَكِدًا، أي بلد شحيح قليل الخير والعطاء بسبب شحَّ نفوس أهله، والدليل نجده في آية (٥٨) من سورة الأعراف:

* سورة الأعراف
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴿٥٨﴾.

لذلك قام إبراهيم بوحي من الله بإرسال ذرِّيته لتبليغ وتعليم الرسالة الصحيحة التي تدعوا الناس الفاقدين للزَرْع (الخير والإيمان) إلى مبادئ العدل والخير والإصلاح، وتنهاهم عن الظلم والفساد والاعتداء، وذلك لا يكون إلَّا بالرجوع إلي كتاب الله وقوانينه بعيدًا عن قوانينهم الوضعية المُستمدة من كتب أديانهم الأرضيَّة المُحرّفة الباطلة، ولذلك أكمل تعالى هذه الآية الكريمة ب: "... ربَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ..." أي ليُقيموا كتاب الله ويُطبِّقوا قوانين الخير والعدل والإصلاح.

الدليل على أنَّ إقامة الصلاة تعني إقامة كتاب الله بنشر الإصلاح نجده في آية (١٧٠) من سورة الأعراف:

* سورة الأعراف
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٧٠﴾.

آية (١٧٠): "وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ":
إذا كانت إقامة الصلاة كما يزعمون هي إقامة الخمس صلوات فرض مع عدد ركعاتها وطريقة إقامتها، فلماذا ربط الله عزَّ وجلّ لنا "التَّمَسُّكْ بكتابِهِ" ب: "إقامة الصلاة" ولم يربط لنا "التَّمَسُّكْ بكتابِهِ" بإقامة "الخمس صلوات فرض"؟

وكيف تُعطينا الصلوات الخمس مع عدد ركعاتها أجر الإصلاح؟
وما دخلها أصلاً بتطبيق الإصلاح؟
وهل إذا صلَّينا الصلوات الخمس نكون نفعل إصلاحًا خلال أوقاتِ صلاتنا؟

الحقيقة هي كالتالي: لقد وضع الله عزَّ وجلّْ لنا تلك الآية آية (١٧٠) في هذا السِّياق لكي يُبيِّن لنا بالتفصيل المعنى الحقيقي للصلاة وإقامتَها، فيدلّنا عليه ويُظهِرُهُ لنا بِرَبْطِهِ ما بين التَّمَسُّك بكتابِهِ وإقامة الصلاة، أي إقامة الإصلاح، لقد أراد الله تعالى أنْ يُخبرَنا بأن كتابَه هو الصلاة، وأنَّ تطبيقه والعمل بِهِ هو إقامة الصلاة، وأنَّ إقامة الصلاة هي إقامة الإصلاح، لأنَّ تطبيق كتاب الله في الأرض بنشر الخير والعدل كما أمرنا تعالى في كتابه هو الإصلاح، إنَّ التَّمَسُّكْ بِكِتابِ اللهِ يكون بإقامتِهِ، أي بالعملِ بِهِ، وإقامته تؤدّي بِنا إلى أن نكون مصلحين لأنفسنا وللآخرين فنقيم الإصلاح بين الناس في الأرض.

سبحانك اللهمَّ ربّي على عظمة وقوَّة كتابك العظيم، آية واحدة كافية لتبيان معنى إقامة الصلاة.

 

(٣): آية (٣٧): "... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ...":
هذه الأية الكريمة هي أكبر دليل على حبّ إبراهيم الخير للناس وحرصه على اتِّباعهم طريق الهداية حتى ينعموا بثمار هذه الرسالة من رزق الله وخيره ورضاه وأمنه في الدنيا والآخرة، والبرهان المُبين نجده في السُوَر التالية:

* سورة المائدة
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٦٥﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴿٦٦﴾.

آية (٦٦): "... لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ...".

* سورة الأعراف
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٩٦﴾.

آية (٩٦): "... لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...".

* سورة النور
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾.

آية (٥٥): "... وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...".

* سورة الأنعام
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٤٨﴾.

آية (٤٨): "... فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ...".

 

(٤): في الختام آية (٣٧) من سورة إبراهيم تُدمِّر وتنسخ قصة الصفا والمروة (الجبلان) والمأخوذة أيضًا من كتاب العهد القديم الخبيث.

والسلام على من اتَّبع الهدى، والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

398 Jun 13 2018