ما هو "الخُسْر" في آية (٢) من سورة العصر؟

 

ما هو "الخُسْر" في آية (٢) من سورة العصر؟

 

* سورة العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾.

السلام على من آمن وعَمِلَ صالحًا وبُعِثَ في عصر الرحمة على أرض جنَّة الخلود.

 

(١): هل الخسارة الحقيقيَّة للإنسان هي خسارته لماله أو ممتلكاته أو أولاده أو مناصبه؟ أم أنَّ للخالق رأيًا آخر لمفهوم الخسران الحقيقي في كتابه العظيم؟
متى يُصبح الإنسان "فِى خُسۡرٍ

يُخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم أنَّ الإنسان الظالم سيُصبح في خُسْر عندما سيبعثه الله ويُعيد خلقه من جديد ويُحاسبه على أعماله ويجعله يعيش في أرض وعصر وزمن الخلود في جهنم في الآخرة، وكأنَّ الله تعالى يُقسِمُ في آية (١) و(٢) بوجوديَّة عصرٍ جديد في أرضٍ جهنَّم العذاب، تأكيدًا منه على البعث الجسدي، فكما خلق تعالى عصر أو زمن أو دهر أو يوم أو ليل ونهار وأوْجَدَ فيه الحياة الدنيا، يستطيع سُبحانه أن يُعيد خلق عصرِ أو زمنِ أو دهرِ أو يومٍ جديد من أجل أن يُحاسب الإنسان على أعماله الّتي قام بها سابقًا على هذه الأرض، وإنَّ قول الله تعالى في آية (١) و(٢) "وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ" هو تأكيد صريح منه للإنسان الظالم والفاسد على أنه سوف يبعثه ويُحاسبه على أعماله في زمنٍ جديد آخر في الآخرة، وسوف يعيش هذا الإنسان فيه "فِى خُسۡرٍ" لأنه سوف يعيش في عصر أرض جهنم الخلود إلى أبد الآبدين، بآستثناء الإنسان الصالح فلن يكون "فِى خُسۡرٍ" في الآخرة ولن يعيش في عصر أو زمن فيه عذاب، بل سوف يكون في عصر الرحمة على أرض السلام الجنة، لذلك ختم تعالى سورة العصر بقوله في آية (٣): "إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ".

 

(٢): سأختم بتأكيد معنى الخسران المُبين من خلال بعض الآيات البيِّنات في مواضع أُخرى من الكتاب والتي تُفسِّر بعضها البعض وتُعطي وتُبيِّن نفس المعنى.

* سورة الزمر
... قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١٥﴾ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴿١٦﴾.

* سورة الشورى
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴿٤٤﴾ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ﴿٤٥﴾ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ﴿٤٦﴾.

* سورة الحج
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾.

آية (١١): "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ..." = المنافق = المقتصد.

البرهان المُبين على أنَّ المقتصد هو الإنسان المنافق الذي يعبد الله على حرف، أي على مصلحة، نجده في آية (٣٢) من سورة لقمان.

* سورة لقمان
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿٣٢﴾.

والسلام على من اتَّبع الهُدى، والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

395 Jun 6 2018