عِبرة آية (٢١) من سورة الحشر الرائعة

 

عِبرة آية (٢١) من سورة الحشر الرائعة

 

* سورة الحشر
لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١﴾.

سبحانه وتعالى على روعة وعظمة أمثاله في كتابه الذي ليس له مثيل في العالَم عَجِزَ اللسان عن الكلام، إي وربّي قرءان عظيم.

السلام على من لانَ جلده وقلبه إلى ذكر الله (القرءان الحكيم)، واللعنة على الذين قَسَت قلوبهم من ذكر الله (الكتاب العظيم).

* سورة الزمر
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٢٢﴾ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٢٣﴾.

(١): إخوتي وأخواتي الكِرام، الجبل هو مثل وعبرة للإنسان الضعيف، لأنَّهُ من البديهي وليس صعبًا عليه أن يتصدَّع قلبه وعقله لله ويخشع له، فالجبل الصلب القوي يستطيع أن يلين وأن يتصدَّع من خشية الله إذا أنزل الله عزَّ وجلّ عليه القرءان مهما كانت قوَّتَهُ وصلآبته.

يُريد الله تعالى أن يُعطينا مثلاً من خلال هذه الآية العظيمة يقتدي بِهِ الإنسان، إذا تدبَّرنا هذه الآية نجد فيها مُقارنة ما بين الجبل بصلآبتِهِ وقوَّتِهِ وعدم إحساسه وقسوتِهِ لأنه مخلوق من مادة وعلى الرغم من ذلك لانَ قلبُهُ إلى القرءان فسجد، أي خشع لله ولم يتكبر عليه، وما بين الإنسان بضعفِهِ وإحساسِهِ وعَدَم قسوتِهِ لأنه مخلوق حَيْ وعلى الرغم من ذلك لم يلِن قلبه إلى القرءان ولم يخشع لله، أي لم يركع له، على عكس الجبل تمامًا، تكبَّرَ على الله.

يريد الله عزَّ وجلّ أن يُبيِّن لنا جحود وكُفر الإنسان العظيم على الرغم من ضعفِهِ وفقرِهِ وحاجتِهِ الدائمة إلى مساعدة الله، فالإنسان من السهل عليه أن يسجد، أي يخشع لله على عكس الجبل، ولكنّه لم يفعل ذلك، وبدلاً من أن يسجد هو لله، سجد الجبل.

إنَّ المعنى المجازي الّذي أعطانا الله جلَّ في علاه هو نزول القرءان على جبل، وتَصَدُّع هذا الجبل من خشية الله، وهذا عبرة للإنسان لِكي يسجد لله بدلاً من أن يتكبر عليه فيتَّبع سبيل الكفر والإشراك، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بالآيات الّتي تليها، آية (٢٣) و(٢٤) بقوله فيها:

* سورة الحشر
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٢٣﴾ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٤﴾.

(٢): هناك آية متشابهة لمفهوم آية (٢١) من سورة الحشر تجدونها في سورة البقرة:

* سورة البقرة
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٧٤﴾.

نجد في هذه الآية الحكيمة مُقارنة الله عزَّ وجلّ ما بين تأثير القرءان على الإنسان، وتأثيره على الحجر، أي ما بين الليْن والقسوة، والعبرة من هذه الآية هي قساوة قلب الإنسان عندما آتاهُ الله القرءان، وليْن الحجر وخشيته لله، لاحظوا إخوتي وأخواتي الأفاضل هذا التشبيه الرائع في قول الله تعالى:
"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...".

(٣): * سورة الفجر
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿١١﴾ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴿١٢﴾ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣﴾ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾.

في الختام، لقد أعطانا الله تعالى مثلاً مجازيًّا عن فرعون عندما لقَّبه بذي الأوتاد، وهذا دليل على قساوة قلبه الصلب الطاغي الفاسد الّذي ليس لديه لا إنسانية ولا شعور ولا إحساس، ولذلك أرسل الله الغفور الرحيم إليه بآياتِهِ (القول الَّليّنّ) بواسطة موسى وهارون عليهما السلام في آية (٤٤) من سورة طه لعلَّه يتذكَّر أو يخشى فَيَلين قلبه ويتصدَّع من خشية الله فيرجع عن ظلمه وفساده ويتوب إلى الله، فيغفر الله له.

* سورة طه
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴿٤٢﴾ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴿٤٤﴾.

لاحظوا إخوتي وأخواتي الأفاضل قول الله عزَّ وجلّ: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا...".

إذًا فالقرءان يجعل قلب الإنسان الصلب والقاسي كالحجارة يلين و يتصدَّع ويخشع تمامًا كالجبل.

والسلام على من اتبع الهدى، والعذاب على من كذب وتولى

378 Apr 6 2018