تفسير آية (١٠) إلى آية (٤٠) من سورة الواقعة من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (١٠) إلى آية (٤٠) من سورة الواقعة من خلال أحسن التفسير
"وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ... ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ... وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلۡأَخِرِينَ... وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡيَمِينِ... ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ...  وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ"

 

من هم الأزواج الثلآثة الّذين ذكرهم الله تعالى في سورة الواقعة، وهل هناك فرق ما بين السابقين وأصحاب اليمين؟
هل هناك درجات في الجنة؟

السلام على من لا يُؤمن بالطبقيَّة في جنَّة الأرض وجنَّة الآخرة.

(١): * سُوۡرَةُ الواقِعَة
وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ (١٠) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ (١١) فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلۡأَخِرِينَ (١٤) عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوۡضُونَةٍ (١٥) مُّتَّكِـِٔينَ عَلَيۡہَا مُتَقَـٰبِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيۡہِمۡ وِلۡدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكۡوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٍ مِّن مَّعِينٍ (١٨) لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡہَا وَلَا يُنزِفُونَ (١٩) وَفَـٰكِهَةٍ  مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحۡمِ طَيۡرٍ مِّمَّا يَشۡتَہُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمۡثَـٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ (٢٣) جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٢٤) لَا يَسۡمَعُونَ فِيہَا لَغۡوًا وَلَا تَأۡثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلاً سَلَـٰمًا سَلَـٰمًا (٢٦) وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡيَمِينِ (٢٧) فِى سِدۡرٍ مَّخۡضُودٍ (٢٨) وَطَلۡحٍ مَّنضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَّمۡدُودٍ (٣٠) وَمَآءٍ مَّسۡكُوبٍ (٣١) وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَّا مَقۡطُوعَةٍ وَلَا مَمۡنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَّرۡفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّآ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَآءً (٣٥) فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتۡرَابًا  (٣٧) لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلۡيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴿٤٠﴾​.

إذا قارنّا جنَّات السابقين من آية (١٢) إلى (٢٦) بجنَّات أصحاب الميمنة من آية (٢٨) إلى (٣٧) لن نجد فرقًا أو اختلافًا أو طبقيَّة بينهُنّ، وسوف نجد أنَّ أرض الجنَّة في الآخرة هي جنَّة كبيرة فيها جنّات كثيرة وواسعة لجميع المؤمنين من السابقين ومن أصحاب اليمين من دون أي اختلاف أو تفرقة أو عنصريَّة.

آية (١٢): "فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ" = آية (٢٨) وآية (٢٩) وآية (٣٠) وآية (٣٥) وآية (٣٦) وآية (٣٧): "فِى سِدۡرٍ مَّخۡضُودٍ..... وَطَلۡحٍ مَّنضُودٍ..... وَظِلٍّ مَّمۡدُودٍ..... إِنَّآ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَآءً..... فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا..... عُرُبًا أَتۡرَابًا".

آية (١٥): "عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوۡضُونَةٍ" = آية (٣٤): "وَفُرُشٍ مَّرۡفُوعَةٍ".

آية (١٨): "بِأَكۡوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٍ مِّن مَّعِين" = آية (٣١): "وَمَآءٍ مَّسۡكُوبٍ".

آية (٢٠): "وَفَـٰكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ" = آية (٣٢) وآية (٣٣): "وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ..... لَّا مَقۡطُوعَةٍ وَلَا مَمۡنُوعَةٍ".

(٢): السابقون، ثلَّة من الأوَّلين وقليلٌ من الآخرين:
هنا أراد الله تعالى أن يُحدِّد لنا مرحلة زمنية كانت تحصل في زمن مُعيَّن إلى حين انتهاء هذا الزمن، هذه المرحلة تبدأ من الوقت الّذي يُنَزِلّ الله تعالى فيه كتاب أو يبعث فيه برسول في زمن ما إلى حين يُحرَّف الكتاب ويزول، أي إلى حين يصبح هناك قليلٌ من المؤمنين، وهذه المرحلة هي مرحلة كانت تتكرَّر في كل زمن يبعث الله تعالى فيها برسول، فيكون الإيمان على أوجّه في البداية فيدخل كثير من الناس في دين الله، ولكن مع الوقت يقُلّ عدد المؤمنين عبر الزمن، وهذا يعني أنَّهُ في كل زمن كان يُنَزّل فيه كتاب من الله عزَّ وجلّ، كان هناك سابقون من أنبياء ورسل ومؤمنين في بداية تنزيل الكتاب (ثُلَّة من الأوّلين)، وبعد ذلك ومع مرور الوقت يُصبح المؤمنون أقليَّة (قليلٌ من الآخرين).

أصحاب الميمنة أو اليمين، ثلَّة من الأوَّلين وثلَّة من الآخرين:
هنا أراد الله تعالى أن يُخبرنا عن مرحلة زمنيَّة شموليَّة، أو عن جميع المراحل الزمنيَّة، لقد أراد الله تعالى أن يُعْلِمنا بأنَّهُ هناك دائمًا مجموعة من المؤمنين (السابقين المُقرَّبين) آمنوا بكتاب الله في كل زمان ومكان ومن جميع الأمم، من أوَّل خلق الإنسان إلى انتهاء الحيواة في هذه الأرض.

باختصار مُفيد، لقد أراد الله تعالى من خلال ذكرِهِ لزوجين من المؤمنين والّذين هُم زوج (نوع) السابقون وزوج (نوع) أصحاب الميمنة في سورة الواقعة أن يُعْلِمنا عن أمرين:

الأمر الأول هو: أنَّه في كل زمن، يكون عدد المؤمنين أكثر في بداية تنزيل الكتاب ولكن بعد مرور الوقت يَخفّ عدد المؤمنين إلى حين انتهاء أجل الكتاب.

والأمر الثاني هو: أنَّهُ هناك دائمًا وفي كل الأزمان والعصور وعلى مرّ الدهر مجموعات من الناس كانت تدخل في الإيمان. لقد أراد الله تعالى أن يُعطينا معلومتان فيهما عبرتان مختلفتان.

للتوضيح أكثر، إذا نظرنا في كل زمن ورأينا ما يحدث فيه، نجد أنَّ المؤمنين في كل زمن أتى فيه رسول كانوا ثلَّة من الأوَّلين وقليل من الآخرين ولذلك وصفهم الله تعالى بالسابقين المُقرَّبين. وإذا قارنّا جميع تلك الأزمان ببعضها، نجد أنّ السابقين المُقرَّبين قد وجِدوا في كل زمن لذلك قال تعالى ثلَّة من الأوَّلين وثلَّة من الآخرين، من هنا أستطيع أن أقول لكم أنَّ أصحاب الميمنة الّذين هم ثلَّة من الأوَّلين وثلَّة من الآخرين هم جميع السابقين المُقرَّبين الّذين أتوا عبر الأزمان والعصور من أوَّل خَلْق الإنسان إلى آخره والّذين كانوا ثلَّة من الأوَّلين وقليل من الآخرين في كل زمن من تلك الأزمان.

(٣): البرهان المُبين أننا سوف نكون في يوم الحساب نوعين أو زوجين فقط، لا ثلاثة أزواج نجده في سورة المُطفّفين والبلد وفي سُوَر أُخرى:

* سُوۡرَةُ المطفّفِین
كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ (٧) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا سِجِّينٌ (٨) كِتَـٰبٌ مَّرۡقُومٌ (٩) وَيۡلٌ يَوۡمَٮِٕذٍ لِّلۡمُكَذِّبِينَ (١٠) ...... كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ (١٨) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَـٰبٌ مَّرۡقُومٌ (٢٠) يَشۡہَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِى نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى ٱلۡأَرَآٮِٕكِ يَنظُرُونَ (٢٣) تَعۡرِفُ فِى وُجُوهِهِمۡ  نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ (٢٤) يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخۡتُومٍ (٢٥) خِتَـٰمُهُ مِسۡكٌ وَفِى ذَالِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُ مِن تَسۡنِيمٍ (٢٧).

ملاحظة هامَّة: لقد أخبرنا الله تعالى أنَّ كتاب الأبرار في عِلّيين وأنَّهُ سوف يشهده المُقرَّبون. إذًا فإنَّ الأبرار في سورة المُطفَّفين هم السابقون في سورة الواقعة لأنَّ الله تعالى وصفهما ب"المُقرَّبين".

* سُوۡرَةُ البَلَد
فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ (١١) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوۡ إِطۡعَـٰمٌ فِى يَوۡمٍ ذِى مَسۡغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقۡرَبَةٍ (١٥) أَوۡ مِسۡكِينًا ذَا مَتۡرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ (١٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ (١٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَـٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ (١٩) عَلَيۡہِمۡ نَارٌ مُّؤۡصَدَةُۢ (٢٠).

نجد في سورة البلد أنَّنا سوف نكون فريقين أو نوعين أو زوجين، أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة. ونجد تعريفًا تفصيليًّا لأصحاب الميمنة (أصحاب اليمين).

في الختام، أدعو الله عزَّ وجلّ لي ولكم أن يجعلنا من أصحاب اليمين، وأن يحشرنا مع السابقين، وأن يجعلنا في الآخرة من المُقرَّبين.

296 Jan 13 2018