تفسير آية (٤٦) إلى آية (٧٦) من سورة الرحمن من خلال أحسن التفسير 

 

تفسير آية (٤٦) إلى آية (٧٦) من سورة الرحمن من خلال أحسن التفسير 
"
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ..... وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ..... مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٍ وَعَبۡقَرِىٍّ حِسَانٍ"

 

هل هناك درجات في الجنة؟

السلام على من لا يُؤمن بالطبقيَّة في جنَّة الأرض وجنَّة الآخرة

(١): قالوا وما زالوا يقولون بأنَّ الجنَّة درجات وطبقات، وأنَّ المؤمنين زُمَر وأنَّ كل زمرة لها جنَّة تختلف عن جنَّة غيرها، وأنَّ كل جنَّة مُختلفة عن غيرها ولها اسم مختلف عن الجنّات الأخرى كجنات عدن والفردوس والروضة والمأوى. ولقد استعانوا بالأباطيل (الأحاديث الخبيثة) وبفلسفاتهم السفسطائيَّة كي يثبتوا هذه المفاهيم في عقول المسلمين، فهم لم يكتفوا بصنع الطبقية في الأرض بأشكالها المخيفة، بل تعدّوا حين حسبوا أنهم يستطيعون صنعها في جنات الخالق عزَّ وجلَّ، سبحانه وتعالى عمَّا يقولون ظُلْمًا وزورًا.

لن أفتري.. بل سآتي بآيات القرءان العظيم من خلال سورة الرحمن وَسُوَرْ أُخرى كي أُثبت كَذِب ما افتروا على الله سبحانه وتعالى.

(٢): * سُوۡرَةُ الرَّحمٰن
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ذَوَاتَآ أَفۡنَانٍ (٤٨) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩) فِيہِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ (٥٠) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١) فِيہِمَا مِن كُلِّ فَـٰكِهَةٍ زَوۡجَانِ (٥٢) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣) مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآٮِٕنُہَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٍ۬ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٍ (٥٤) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٥) فِيہِنَّ قَـٰصِرَاتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡہُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ (٥٦) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٧) كَأَنَّہُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ (٥٨) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٩) هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَـٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَـٰنُ (٦٠) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦١) وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ (٦٢) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٣) مُدۡهَآمَّتَانِ (٦٤) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٥) فِيہِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ (٦٦) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٧) فِيہِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخۡلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩) فِيہِنَّ خَيۡرَاتٌ حِسَانٌ (٧٠) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧١) حُورٌ مَّقۡصُورَاتٌ فِى ٱلۡخِيَامِ (٧٢) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٣) لَمۡ يَطۡمِثۡہُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ (٧٤) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٥) مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٍ وَعَبۡقَرِىٍّ حِسَانٍ (٧٦) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٧) تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِى ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ (٧٨).

إذا تدبَّرنا تلك الآيات البينات نجد أنَّ "الجنتان" في آية (٤٦) هي جنة للإنس وجنة للجن، لذلك قال الله تعالى في آية (٧٤):
"لَمۡ يَطۡمِثۡہُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ":

هذا يعني أنَّ الجَّنتان هي جنّة ماديَّة يأكل ويشرب منها الإنسان، وجنَّة نفسيَّة وجماليَّة (معنوية) يتمتََّّع بها الإنسان ويسلم فيها، هذا يعني أنَّ الجنتّان فيها جنَّة لحاجات الجسد وجنَّة لحاجات النفس، وهي في الحقيقة جنَّة واحدة يجد فيها الإنسان حاجته من المأكل والمشرب (الغذاء الجسدي)، وحاجته من الراحة النفسية والسلام الدائم والتمتُّع بجمال الطبيعة وبالماء العذب والأنهار والخير والحيواة الدائمة والأبدية (الغذاء النفسي).

وإذا نظرنا في قول الله عز وجل في آية (٦٢):
"وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ":
وتدبَّرنا الآيات التالية، نجد أنَّ الجنَّتان هي في الحقيقة أماكن فيها جنات أخرى كثيرة ومتعدِّدة موجودة في كل مكان في أرض الجنَّة، نستطيع أن نقول بأنَّها كل مكان من أرض الجنَّة، فأرض الجنَّة فيها جنات كثيرة، أي خيرات كثيرة وتلك الخيرات موجودة في كل مكان من بِقاعها، أي "وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ" أيضًا "وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، "وَجَنَّتَانِ"، لأن أرض الجنَّة ستكون عرضها عرض السماوات والأرض، أي كبيرة جدًّا جدًّا، والبرهان المُبين نجده في سورة آلِ عِمران والحديد.

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ مِّن رَّبِّڪُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ (١٣٣) ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡڪَـٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ‌ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١٣٤).

* سُوۡرَةُ الحَدید
سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُہَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ‌ ذَالِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُ‌ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (٢١).

(٣): والآن إذا قارنا "الجنتان" الّتي ذُكِرتا في آية (٤٦) إلى (٦١) ب"الجنتان" الّتي ذُكرتا في آية (٦٢) إلى (٧٨) لا نجد أي فارق بينهما، بل على العكس تمامًا، سوف نجد أنَّها نفس الخيرات وأنَّها موجودة في كل مكان من أرض الجنة.

آية (٥٠): "فِيہِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ" = آية (٦٦): "فِيہِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ".

آية (٥٢): "فِيہِمَا مِن كُلِّ فَـٰكِهَةٍ زَوۡجَانِ" = آية (٦٨): "فِيہِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخۡلٌ وَرُمَّانٌ".

آية (٥٤): "مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآٮِٕنُہَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٍ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٍ" = آية (٧٦): "مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٍ وَعَبۡقَرِىٍّ حِسَانٍ".

آية (٥٦): "فِيہِنَّ قَـٰصِرَاتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡہُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ" = آية (٧٢) وآية (٧٤): "حُورٌ مَّقۡصُورَاتٌ فِى ٱلۡخِيَامِ..... لَمۡ يَطۡمِثۡہُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ".

(٤): إذًا فإنَّ قول الله تعالى في آية (٤٦) و(٦٢) من سورة الرحمن:
"ولمن خاف مقام ربه جنتان...... وَمِن دُونِہِمَا جَنَّتَانِ":
يدلُّنا على وجود جنات كثيرة لجميع المؤمنين من النبيّين والصدّقين والشهدآء والصالحين والمحسنين وغيرهم من المتقين، والبرهان المُبين على أنَّه لا يوجد طبقيَّة في جنَّة الآخرة نجده في سورة النساء وطه.

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّہَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَ‌ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَالِكَ ٱلۡفَضۡلُ مِنَ ٱللَّهِ‌ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمًا (٧٠).

لقد قال الله عزَّ وجلّ في آية (٦٩) أنَّ من يُطع الله ورسوله فسوف يكون مع النبيّين والصدّقين والشهداء والصالحين، هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ الإنسان المؤمن سوف يكون في جنَّة واحدة مع الأنبياء والرُسُل والشُهدآء وجميع المؤمنين الصالحين ومن دون أي تفرقة أو طبقيَّة، وسوف ينعم برفقتهم الدائمة والأبدية فيها، وهذا هو العدل الإلاهي المطلق والمُساواة.

* سُوۡرَةُ طٰه
إِنَّهُ مَن يَأۡتِ رَبَّهُ مُجۡرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيہَا وَلَا يَحۡيَىٰ (٧٤) وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنًا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلۡعُلَىٰ (٧٥) جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَا‌ وَذَالِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ (٧٦).

نجد في آية (٧٥) أنَّ "من يأتي ربَّهُ مؤمنًا قد عمل الصالحات":
فسوف يكون له الدرجات العُلى في الجنة في الآخرة. ما هي هذه الدرجات العُلى؟
نجد الجواب في آية (٧٦) بقول الله تعالى:
"جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَا‌..":
لقد عرَّف الله تعالى لنا الدرجات العٌلى أنَّها جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وأنا أعْجَب لعدم استطاعة الّذين يُسمون أنفسهم بعلماء الدين الإسلامي والتنويريِّين أن يروا هذا التعريف الواضح الجليّ.

إذًا الدرجات العُلى هي الإقامة في جنات الآخرة والخلود فيها، والّذي سوف يكون صاحب هذا الشرف ويصِل إلى هذه المنزلة والرتبة العالية الرفيعة ويُقيم في الجنَّة هو كل إنسان يؤمن بالله ويعمل صالحًا، أي جميع المؤمنين من دون استثناء (النبيين والصدّقين والشهداء والصالحين) ومن دون أي تفرقة أو طبقيَّة.

ملآحظة مُهمَّة: عَدَنَ بالمَكان يعني أقامَ فيهِ.
***** عَدَنَ البَلَد يعني تَوطَّنَهُ.
جنّاتُ عدْنٍ هي جنّات إقامةٍ للخُلود، هي المكان أو البَلَد الّذي سوف يُقيمُ فيهِ المؤمن ويخلد فيه.

***** دَرَجَ تعني رَقِيَ.
درج درجًا تعني صعد في المرتبة.
الدَرَجة جمع دَرَجَ تعني المِرقاة.
الدَرَجة جمع دَرَجات تعني الطبقة والرتبة والمنزلة.

السلام على من اتَّبع الهُدى.

295 Jan 12 2018