قصَّة صاحب الحوت (يونس عليه السلام) من القرءان الكريم

 

قصَّة صاحب الحوت (يونس عليه السلام) من القرءان الكريم ومن خلال ترابط آيات سورة الصَّافَّات والأنبياء والقلم

 

السلام على أولي الألباب.

إخوتي وأخواتي الكِرام تعالوا معًا نتدبرّ بيان قصَّة وعِبْرَة يونس الرائعة من خلال أحسن البيان (القرءان الحكيم) ومن خلال ترابط آيات سورة الصَّافَّات والأنبياء والقلم.

(١): * سورة الصافات
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١٤٠﴾ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴿١٤١﴾ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٤٤﴾ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾.

آية (١٤٠): "إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ":
أي ذهب إلى الضلال واختار طريق الظلمات مع أكثر الناس، لقد أعطى الله تعالى معنىً تشبيهيًا للفلك المشحون لأنَّ كثير من الناس فاسقون وفاسدون وظالمون. بمعنى آخر الفلك المشحون هو عبارة عن مكان فيه كثير من الناس الفاسدين.

آية (١٤١): "فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ":
أي اشترك في الظلم فكان من المُبطلين، أي كان من الذين انزلقوا عن الإيمان، أي كان من الكافرين.

آية (١٤٢): "فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ...":
الحوت هو تعبير مجازي عن ظلمات بعضُها فوق بعض، أي لقد كان يونس عليه السلام غَارقًا في الظلمات، لقد اختار الله تعالى كلمة حوت لأنَّ بَطْنه كبير جدًّا وهذا تعبير مجازي رائع لمعنى الظُلُمات.

والبرهان المُبين على أنَّ الحوت عبارة عن الظلمات نجده في آية (٨٧) من سورة الأنبياء:

* سورة الأنبياء
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ... (٨٧).

آية (١٤٢): "... وَهُوَ مُلِيمٌ":
آي عمل عملاً لا يجوز عمله فأصبح مُلامًا.

آية (١٤٣): "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ":
أي لو لم يدعُ يونس ربَّه لكي يتوب ويؤمن ويتَّبع مُجدَّدًا كتابه.

آية (١٤٤): "لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ":
أي لَبَقيَ في الظلمات إلى يوم القيامة، أي لكان مصيره جهنَّم.

آية (١٤٥): "فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ...":
أي نزع الله تعالى عنه لباس التقوى وأصبح تائهًا، آي أضلَّه الله تعالى لأنَّه هو من اختار أن يمشي في طريق الضلال.

آية (١٤٥): "... وَهُوَ سَقِيمٌ":
أي وهو مريض القلب، أي ضعيف الإيمان.

أية (١٤٦): "وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ":
أي أنبت الله تعالى عليه نباتًا حسنًا الذي هو شجرة من يقطين، أي (آيات الكتاب)، أي اجتباه تعالى وجعله من المُرسلين، أي أوحى إليه آياته مُجدَّدًا  (الشجرة من يقطين) وأرسله لكي يُبلِّغ الرسالة لقومه وللناس، لذلك أكمل تعالى هذه الآية الكريمة بآية (١٤٧):
آية (١٤٧): "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ".

(٢): والبرهان المُبين على أنََّ الشجرة من يقطين التي أنبتها الله تعالى على يونس هي آيات الكتاب، نجده في آية (٣٧) من سورة آل عِمران:

* سورة آل عمران
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٧﴾.

آية (٣٧): "... وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا..... وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا..... إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
الرزق = الكتاب.

والبرهان المُبين على أنّ الرِزْق هو الكتاب، نجده في آية (٥٩) من سورة يونس:

* سورة يونس
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴿٥٩﴾ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٦٠﴾.

(٣): * سورة الأنبياء
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾.

آية (٨٧): "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا...":
أي يونس، أي صاحب الحوت هَجَر الرسالة والتجأ إلى طريق الفساد والظُلْم.

ذا النون = صاحب الحوت = لَقَب يونس عليه السلام.
النون = الحوت، هذا أكبر دليل على وجود الترادف في كتاب الله العظيم.

آية (٨٧): "... فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ...":
أي فظنَّ أنَّه أشدُّ قوَّةً من الله.

آية (٨٧): "... فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ...":
أي نادى وهو في بَطْن الحوت، أي في الظُلُمات، أي دعا ربَّه أن يغفر له عندما ظَلَمَ وكان في الضلال.

آية (٨٧): "... أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ":
أي سأتوب إليك، وأؤمن بك وأتَّبع كتابك فقط لأنَّك أنت وحدك التوَّاب الرحيم.

آية (٨٧): "... إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ":
أي لقد اعترف يونس عليه السلام بأنَّه كان من الظالمين.

آية (٨٨): "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ...":
أي استجاب الله ليونس عليه السلام وغَفَر له عندما قرَّر أن يتوب وأن يُبدلّ سيئّاته حسنات ويرجع إلى كتاب الله.

آية (٨٨): "... وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ":
أي نجّاه الله تعالى من الغَمّ، أي من الكَرْب، أي من الهلاك لأنَّه تابَ وآمَنَ، أي نجَّاهُ تعالى من العذاب في الدنيا والآخرة، لأنّه تعالى يُنجِّي وينصر المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وعندما يَنصُر الله تعالى ويُنجِّي الإنسان من طريق الظُلْم والفساد، يكون بذلك قد نجَّاهُ من عذاب جهنَّم، ونَصَره في الآخرة، أي أدخله الجنَّة.

والبرهان المُبين على أنّ الله تعالى يُنجِّي وينصر المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة نجده في السُوَر التالية:

* سورة يونس
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠١﴾ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ﴿١٠٢﴾ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٣﴾.

* سورة الروم
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٧﴾.

* سورة غافر
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾.

(٤): إنَّ العِبْرة الرائعَة التي نستخلصها من آيات قصَّة يونس هي:
أنَّ الله يُعلِمنا أنَّه حتى ولو أرسل رسولاً بالكتاب، ثم بعد ذلك نَبَذَ الرسول كتاب الله وراء ظهره واتَّبع طريق الظلم والفساد، فإنَّه تعالى سيغفر له إذا تاب وآمن وتمنّى بخيارِهِ أن يرجع إلى كتابه، وهذا أكبر دليل على أنَّ الأنبياء والرسل ليسوا معصومين، لأنَّ يونس عليه السلام عصى ربَّه ولم يَصْبر على رسالته، ونبذها وراء ظهره.

والبرهان المُبين نجده في آية (٤٨) و(٤٩) و(٥٠) من سورة القلم:

* سورة القلم
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴿٤٩﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٥٠﴾.

آية (٤٨): "فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ...":
في هذه الآية الكريمة يحثُّ الله تعالى رسوله محمد عليه السلام على أن يصبر على الرسالة ولا يكن كصاحب الحوت، أي لا يكن كذا النون، أي لا يكن مِثْل يونس عندما ذَهَبَ مُغاضبًا، أي عندما هَجر كتاب الله واتَّبع أكثر الناس من الفاسدين والظالمين وظلم معهم، أي لجأ إلى الفلك المشحون.

والبرهان المُبين على أنَّ يونس كان من الظالمين نجده في أية (٨٧) من سورة الأنبياء:

* سورة الأنبياء
... فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧).

آية (٤٨): "... إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ":
أي إذ نادى وهو مكروب، وهو مهموم لأنَّه كان من الظالمين.

آية (٤٩): "لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ...":
أي لو لم يتُب ربَّه عليه ويجعله من المُرسلي، ٫لَنَزع تعالى عنه لباس التقوى وأصبح تائهًا، آي لَأضلَّه الله تعالى لأنَّه هو من اختار أن يمشي في طريق الظُلْم والفساد.

آية (٤٩): "... وَهُوَ مَذْمُومٌ":
أي وهو معيوب، أي سيُلام على عَمَلِهِ.

آية (٥٠): "فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ":
أي اصطفاه الله تعالى واختاره رسولاً من بعد أن تاب عليه.

سبحانك اللهمَّ ربّي على عَظَمَة رأفَتُكَ وغُفرانك، أنا أُحبُّك كثيرًا أيُّها الرحمن الرحيم.

(٥): ملاحظة هامَّة: وَجِبَ التنويه إلى أهميَّة آحترام دقَّة آختيار معاني الكلمات حَسَب سياقها القرءاني، من نفس الآيات السابقة والتالية لها، وهذا هو التدبرّ الحقيقي لآيات الله، بعيدًا عن الخُرافات والهرطقات التي لا تحترم عقلاً ولا تحمل حقًا.

على سبيل المِثال: كلمة (الحوت) الواردة في قصّة يونس، والتي تعني (الظلمات) تختلف تمامًا عن معنى كلمة (الحوت) في قصَّة موسى والفتى والتي تعني (الغداء) كما بيِّنتها لكم سابقًا من خلال آيات الله البيِّنات.

(٦): أختم مقالتي بهذه الآية العظيمة والسلام على من اتَّبَع الهُدى.

* سورة البقرة
وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٣﴾.

 

288 Jan 5 2018