معنى كلمة "الحوت" في آية (٦٣) من سورة الكهف وتبيان قصة موسى عليه السلام مع فتاه والعِبرة منها

 

تفسير معنى كلمة "الحوت" في آية (٦٣) من سورة الكهف وتبيان قصة موسى عليه السلام مع فتاه والعِبرة منها
من خلال أحسن التفسير

 

"قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا".

السلام على من آمن بأنَّ معنى الحوت هو الغداء وآمن بوجود الترادف في كتاب الله العظيم.

* سورة الكهف
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴿٦٠﴾ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴿٦١﴾ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢﴾ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴿٦٣﴾ قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴿٦٤﴾.

إخوتي وأخواتي الأفاضل إذا تابعنا آيات سورة الكهف من آية (٦٠) إلى آية (٦٥) وربطناها ببعضها، نجد تفسيرها المُيسَّر كالتالي:

آية (٦٠): "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ...".
نجد في هذه الآية إصرار وتأكيد موسى عليه السلام، وآستعجاله الوصول إلى مجمع البحرين، وما بعده، مهما كلَّفه الأمر، وكأنَّه باعتقاده، أنَّه يستطيع عَمَلْ أيّ شيء بإرادته، ناسيًا أنَّ إرادته مُتعلِّقة بإرادة الله ومشيئته وعِلْمه.

آية (٦٠): "... أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا".
أي كانت إرادة موسى عليه السلام، عدم ترك السفر بحرًا بقاربه إلى مكان (مجمع البحرين) إلَّا بعد أن يُحققّ غايته بالوصول إليه وتجاوز ما بعده.

آية (٦١): "فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا".
أي يُخبرنا الله أنَّ موسى وفتاه عندما وَصَلا مكان آلتقاء البحرين نسيا حوتهما، أي غداءهما، من قبل أن يستمرَّ موسى إكمال سفره في البحر.

سنجد البرهان المُبين على أنَّ الحوت هو الغداء وأنَّ موسى هو الذي اتَّخذ سبيله في البحر سربًا في الأيات التالية، عِلْمًا بأنَّ الله تعالى لم يُخبرنا عن موقعهما الجغرافي بالتفصيل، لأنَّه كما عوَّدنا تعالى في القصص القرءاني، أنَّ المهم فيه، هو أَخْذ العِبرة والعِظة، وليس الفلسفة والجدال والاختلاف.

آية (٦٢): "فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا".
أي فلمَّا أكملا طريقهما في البحر بعد أن بَلَغا مجمع البحرين طلب موسى من فتاه أن يأتي بالغداء من شدَّة التعب وعناء السفر.

آية (٦٣): "قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ...".
هذا كان جواب الفتى عندما سأله موسى عليه السلام أن يأتِي بالغداء (الحوت)، إذ تذكَّر الفتى حينها أنَّه نسيَ الحوت (الغداء)، عندما لجآ إلى الصخرة، عند مجمع البحرين ليستريحا، فيُبادر الفتى بالإعتذار عن نسيان الغداء (الحوت) بقوله:
"... وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ...".

نلاحظ هنا أنَّ جواب الفتى لموسى عندما طلب موسى منه إحضار الغداء، هو أكبر دليل على أنَّ الحوت لا يُمكن بأيِّ شكل من الأشكال أن يأتِي بمعنى آخر غير معنى (الغداء) حَصْرًا، وليس كما فسَّرها مُهرِّجي التفاسير الخبيثة (السلف الطالح)، وجهابذة وعباقرة (أهل نظريَّة اللاترادف السخيفة)، عندما أتحفونا بأنَّ معنى (الحوت) الوارد في الآية الكريمة هو الحوت (السمكة الكبيرة)، بمعناه المادّي السطحي، وممَّا يزيد في الطين بلَّة، أنَّ آخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وسَرَحوا بتفكيرهم أعمق فأعمق في السذاجة، حتى وصلوا إلى آستنتاجهم الخطير بأنَّ الحوت هو (القارب)!!!

وكأنَّنا بمهازل تفاسيرهم السخيفة نقرأ من كتاب "ألف ليلة وليلة" وليس من كتاب الحقّ تبارك وتعالى "القرءان الكريم" الذي ليس له مثيل في حِكمته وعِبَرِه واحترامه لقوانين العَقل والتدبرّ.

سؤال مني شخصيًَّا إلى فلاسفة اللاترادف المُتكبِّرين:
متى ستكفّون عن آستعراض مهازلكم الفكريَّة ووَضْع أنفسكم في مواقف لا تُحسدونَ عليها فقط تكبُّرًا وإستعلاءً منكم عن الآعتراف بأحقيَّة الترادف في القرءان الكريم؟

وكأنَّ كلمات وآيات نصوص القرءان لا تُفسِرّ بعضها البعض! وكأنَّكم تستنكرون عَلَانيةً أمام جماهيركم التي استخففتم عقولهم فأطاعوكم واتَّبعوكم، بأنَّ كتاب الله جلَّ في علاه ليس بالكتاب المُبين! هل تُعلِّمون الله بدينكم؟

* سورة الزخرف
وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٥١﴾ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿٥٢﴾ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿٥٣﴾ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿٥٤﴾ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٥٥﴾ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴿٥٦﴾.

* سورة الحجرات
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٦﴾.

آية (٦٣): "... وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا".
هنا يُخبرنا الله بأنَّ موسى اتَّخذ طريقه في البحر مُتعجِّبًا، وفِعْل التعجب والاستغراب لا يصدر إلَّا من إنسان حدث معه شيئ يُثير استغرابه (نسيانهما الغداء وهما مُسافران في البحر).

بالله عليكم يا أهل اللاترادف هل رأيتم في عرض البحر حوتًا مُستغربًا أو قاربًا مُتعجِّبًا؟ 
الحمد لله على نعمة العقل والإيمان والسجود للحقّ المُبين، في آيات الله بعيدًا عن الكُفر والشِرْك والكِبَر والجدال.

آية (٦٤): "قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ...".
أي قال موسى عليه السلام مُستنكرًا ما كان من أمر نسيان الغداء لآنَّه لم يكن مُتوقَّعًا وهما يضربان طريقهما في البحر وقد أرهقهما التعب والجوع، وأنَّ ذلك لم يكن في الحسبان.

آية (٦٤): "... فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا".
أي عادا إلى أن وصلا إلى المكان الذي إنطلقا منه أوَّل مرَّة وبدآ منه السفر.

إنَّ العِبْرة والعِظة التي نستخلصها من آيات قصَّة موسى وفتاه هي:
أنَّ الله يُعلمنا عن شخصيَّة موسى عليه السلام ذلك الحين، وقبل لقاءه بالعبد العالِمْ، وقبل أن يُصبح رسولاً فيما بعد، كانت شخصيَّة مُتسرِّعة وعجولة وجهولة بأحوال أقدار الله وتصاريفه، بحيث أنَّ موسى كان يظن حينها بأنَّه يستطيع فِعْل وبلوغ أيّ شيء بمجردّ تفكيره في فِعْله وبلوغه بعيدًا عن حسابات أقدار الله وإرادته ومشيئته.

ملاحظة هامَّة: وَجِبَ التنويه إلى أهميَّة احترام دقَّة اختيار معاني الكلمات حَسَب سياقها القرءاني من نفس الآيات السابقة والتالية لها، وهذا هو التدبرّ الحقيقي لآيات الله، بعيدًا عن الخُرافات والهرطقات التي لا تحترم عقلاً ولا تحمل حقًا.

على سبيل المِثال: كلمة (الحوت) الواردة في قصّة موسى والفتى، والتي تعني (الغداء) تختلف تمامًا عن معنى كلمة (الحوت) في قصَّة يونس عليه السلام، كما سآُبيِّنها لكم لاحقًا إن شاء الله من خلال آيات الله البيِّنات.

والسلام عليكم.

 

286 Jan 3 2018