تفسير آية (٨٤) من سورة التوبة من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٨٤) من سورة التوبة من خلال أحسن التفسير
(القرءان العظيم)

 

 

السلام على من أخرج نفسه من ظلمات القبور (جميع الأديان والمذاهب الأرضية الباطلة) وآمن بكتاب الله وحده لا شريك له.

-(١)- * سورة التوبة
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤).

"وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا..." : الله تعالى يأمر رسوله مُحَمَّدٍ عليه السّلام، بأن لا يصلِّ على أيّ أحد من هوّلاء المنافقين بعد أن قام بدعوته إلى الرّسالة (صلاته عليه)، من خلال أمره بآتّباع آيات القرءان الكريم، وإقامة تعاليمه، وعلى الرغم من آستيقان المنافق الحقّ في صدق الرسول في رسالته من الله له، عكف على المراءاة ومَرَدَ على النفاق، ومحاولة التشكيك وإثارة الفتن، وبثّ الوهن والريبة، والمنافقون لا وزن لهم في ميزان الرّسالة، أو بين صفوف الرَّسُول والمؤمنين، والإستغناء عن من لا يفيد وجودهم إلا أن يزيدوا الجماعات المؤمنة خبالاً وضعفًا ووهنًا وريبًا إن وثقوا بهم، لهو عين العقل ولبّ الحكمة.

"... ولا تقم على قبره..." : أي آترك يا مُحَمَّد هذا المنافق في مسجده الكافر وفي ظلمات جهل دينه غارقًا فيها، لا شفيع له ولا ناصر بعد أن أصرّ على الإستكبار والنّفاق واللّهو في آيات الله والإستهزاء بالرّسل والمؤمنين، وبعد أن أصرَّ على الأذى والتحريف وآلتماس الأعذار الواهنة في خذلانه للرّسالة ونشرها، وأنت من حرصت سابقًا على الصلاة عليه من خلال تعليمه جلّ ما يريده الله منه من خلال إرشاده إلى آيات القرءان الكريم، نجد الدليل القاطع والرابط الذي يُفسرّ معنى آية (٨٤) من سورة التوبة في آية (١٠٧) و(١٠٨) من نفس السورة.

* سُوۡرَةُ التّوبَة
وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدًا ضِرَارًا وَڪُفۡرًا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادًا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبۡلُ‌ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ‌ وَٱللَّهُ يَشۡہَدُ إِنَّہُمۡ لَكَـٰذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدًا‌ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ‌ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ‌ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ (١٠٨).

* سورة التوبة
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤).

آية (٨٤) في سورة التوبة : "... وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ..." هي نفس آية (١٠٧) و(١٠٨) في سورة التوبة : "وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدًا ضِرَارًا وَڪُفۡرًا..... لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدًا‌...".

آية (١٠٧): "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِين..." مسجد الضرار والكفر الذي اتَّخذوه هؤلاء الكفار في نشر دياناتهم الباطلة هو قبرهم في آية (٨٤).

آية (١٠٨) : "... لمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ‌ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ‌ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ..." من خلال هذه الآية الكريمة يريد الله عزَّ وجلّ أن يُعلمّ وينصح رسوله الأمين أن يُصلِّ فقط على المُطَّهرين المؤمنين، أي يتلوا عليهم آياته ويُزكيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحكمة (حكمة ومعاني الآيات السامية) لذلك قال له تعالى : "... فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ‌...".

-(٢)- لقد طلب الله تعالى من رسوله الأمين أن يكون حريصًا من أن يضلوه الكفار ويجذبوه من خلال أديانهم الباطلة إلى قبورهم، أي إلى حجراتهم أو مساجدهم الفاسقة وظلمات دينهم الباطل، والتأثير عليه بالحرب النفسيّة القذرة التي لا يملّون ممارستها عليه وعلى المؤمنين بالتحريف والهروب في المواقف التي تتطلّب الصدق في الرّسالة والثبات في الموقف واليقين أمام رياح الشكّ والفتن، هذا ما بيَّنه الله عزَّ وجلّ في السُوَر التالية.

* سورة الإسراء
وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖوَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥).

* سورة البقرة
ولن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙمَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٧٢).

* سُوۡرَةُ التّوبَة
ٱنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـٰهِدُواْ بِأَمۡوَالِڪُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ ذَالِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٤١) لَوۡ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡہِمُ ٱلشُّقَّةُ‌ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُہۡلِكُونَ أَنفُسَہُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّہُمۡ لَكَـٰذِبُونَ (٤٢) عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٤٣) لَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمۡوَالِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡ‌ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِى رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن ڪَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِينَ (٤٦) لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَـٰلَكُمۡ يَبۡغُونَڪُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡ‌ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ (٤٧).

-(٣)- سأختم هذا الموضوع ببعض من آيات الله البيِّنات.

* سُوۡرَةُ فَاطِر
وَمَا يَسۡتَوِى ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ (١٩) وَلَا ٱلظُّلُمَـٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ (٢٠) وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسۡتَوِى ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَاتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٍ مَّن فِى ٱلۡقُبُورِ (٢٢).

* سُوۡرَةُ النُّور
أَوۡ كَظُلُمَـٰتٍ فِى بَحۡرٍ لُّجِّىٍّ يَغۡشَٮٰهُ مَوۡجٌ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٌ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٌ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُہَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُ لَمۡ يَكَدۡ يَرَٮٰهَا‌ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (٤٠).

* سُوۡرَةُ النَّمل
إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ (٨٠) وَمَآ أَنتَ بِہَـٰدِى ٱلۡعُمۡىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمۡ‌ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ (٨١).

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـٴَـايَـٰتِنَا صُمٌّ وَبُكۡمٌ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ‌ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ (٣٩).

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
أَوَمَن كَانَ مَيۡتًا فَأَحۡيَيۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُ نُورًا يَمۡشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٍ مِّنۡہَا‌ كَذَالِكَ زُيِّنَ لِلۡكَـٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١٢٢).

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
إِنَّمَا يَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسۡمَعُونَ‌ وَٱلۡمَوۡتَىٰ يَبۡعَثُہُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ (٣٦).

* سورة النحل
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦).

لقد وصف الله تعالى الموت في آية (٢١) من سورة النحل، بموت القلب وغفلته عن ذكر الله والرجوع إلى وحدانيّة قانونه، وأنّى للميّت الغافل أن يُحيى إلى النّور والهداية بغير آتّباع قانون خالقه الذي بيده فقط مشيئة إحيائه وبعثه إلى النور من جديد، بعدما أغرق نفسه بوحل الظلمات والجهل والكبر، فالله في الآية التي ذكرتها يشبّه ظلمات الديانات الباطلة التي يسكنها المنافقون المشركون بالقبور المظلمة التي تنبعث منها ظلمات الجهل والإستهزاء والمكر والتدليس، وروائح النفاق والدجل والتحريف لكتاب الله.

والسلام عليكم.

282 Dec 3 2017