تعليق ورد على حلقة (١-٧) حقيقة الصلواة

 

تعليق ورد على حلقة (١-٧) حقيقة الصلواة

 

تعليق أخت كريمة لي كان كالتالي:
لقد شاهدت كل الحلقات الخاصة بموضوع الصلاة، لكن اعتقد بأنك مخطئ فيما وصلت إليه من نتيجة بالرغم من إصابتك في تحليل ما ترمي اليه بعض الآيات، فهناك اختلاف واضح بين الصلاة (بالألف) التي تعني الصلة بالله، والصلواة (بالواو) التي تعني التعبدّ، أي الركوع والسجود، والآيات التي توضح ذلك كثيرة.

كما أعتقد أنَّ نفي وقوع المعراج لا ينفي بالضرورة الصلوات الخمس فمن الممكن أن يكون الرسول قد استنتج كيفية القيام بها من القرآن، ويوجد الآن خبراء بعلم الأرقام والدلالات بإمكانهم تحديد العدد الدقيق للركعات بكل صلاة من الآيات القرآنية.

وأخيراً أتمنّى أن تطَّلع على كتاب الدكتور محمد شحرور "الإسلام والإيمان" وهو متوفرّ مجاناً على موقعه، هو أكثر مفكرّ استطاع إقناعي بطريقة منطقية ومنفتحة بالعديد من الحقائق التي كنت أعتبرها من المسلَّمات، وأعتقد بأنَّ رأيه في مسالة الصلاة سيهمك ولو من باب الإطّلاع.

ردّي لها كالتالي:
أختي الكريمة، لا يوجد شيء إسمه الصلاة (بالألف) و(بالواو)، لأنَّ الصلاة (بالألف) هي من فعل صلّى وهي نفسها الصلواة (بالواو).

كلمة صِلة باللغة العربية تأتي من فعل وَصَلَ.
ووَصَلَ الرجل تعني أحسن إليه.
والصِلة جمع صِلات تعني العطية والبِرّْ والإحسان والجائزة.
والوِصلة هي أيضًا من فعل وَصَلَ وتعني الإتصال.
وأوصَلَ هي أيضًا من فعل وَصَلَ وتعني أبلَغَ.

أمّا كلمة صلواة (أو صلاة) في اللغة العربية فهي تأتي من فعل صلّى، وصلّى تعني باركَ. والصلواة من الله تعني المُباركة والرحمة، أي الطهارة، والصلواة تعني التسبيح والدعآء والسجود والركوع، أي الطاعة والخضوع والقنوت.

إنَّ كلمة صِلة بالمفهوم الشائع هي الوِصلة، أي الإتصال، وإنَّ كلمة الصلواة (بالألف) بالمفهوم الشائع هي الصلواة (بالواو) الّتي ذكرها الله تعالى في القرءان، والله تعالى هو أساس ومصدر اللغة العربية وجميع اللغات، إذًا فهو وحده الّذي يُعلّمنا اللغة وليس أحدٌ غيره.

أختي العزبزة، لا يوجد أي اختلاف بين الصِلة بالله والتعبد له، لأَّننا لا نستطيع أن نتَّصِلْ بالله إلاَّ بتعبُّدنا له، لأنَّ الشيء الوحيد الّذي يَصِلْ إلى الله، أي يتقبَّله الله هو عبادة المخلوق له وحده، وعبادة المخلوق لخالقه هي الشيء الوحيد الّذي يستطيع المخلوق أن يتقرَّب بها إلى الله ويتقبَّلها الله منه.

لماذا قُلتُ بأنَّ الصلواة هي الصِلة بين الخالق والمخلوق؟
لقد رَبَطَ الله تعالى لنا الصِلة بالصلواة وتوصيلها، فالله تعالى كما صلّى علينا، أي وَصَلَ وأوصَلَ لنا القرءان، أي الصلواة بالوحي، أمرنا أن نَصِلَ ما أمرنا بِهِ أن يوصَلَ، أي أمرنا أن نَصِل بالقرءان فنوصِلُهُ لأنفسنا أولاً وللناس ثانيًا، أي نُبلِّغُهُ للناس ولا نقطعه عنهم.

إذًا فإنَّ القرءان الّذي هو الصلواة هو صِلة الوصل بيننا وبين الله عزَّ وجلّْ، وبيننا وبين بعضنا البعض، وبِما أنَّ القرءان الكريم هو الصلواة الّتي بِها صلّى الله تعالى علينا، وبما أنه أيضًا الطريق الوحيد الّذي بواسطته نستطيع أن نتَّصِل بالله لكي نقيم صلاتنا له فنبني بذلك صِلتنا بِهِ ونتقرَّبْ إليه، إذًا فالصلواة هي الصِلَة بيننا وبين الله تعالى، وإنَّ صِلة الوَصل بين الخالق والمخلوق لا يُمكن أن تُبنى ولا أن تكون ولا أن يتقبَّلها الله إلاّ من خلال الصلواة وإقامتها، وليس من خلال الخمس صلوات فرض.

لقد صلّى الله تعالى علينا، أي باركنا، أي طهّرنا، أي أعطانا رحمته بواسطة القرءان عندما أنزله علينا بواسطة رسوله الأمين محمد عليه السلام.

كيف باركنا الله تعالى وطهَّرنا ورحمنا؟
أعطانا البِرّ والإحسان من خلال آياته، أي علَّمنا كيف نفعل الخير والإصلاح لكي نُطهِّرْ أنفسنا، ولقد أمرنا تعالى في القرءان أن نَصِلَ القرءان، أي أن نُعطي ونُحسن ونُجازي بعضنا البعض بالقرءان، أي أن نوصِلْ، أي نُبلِّغْ ونُطبِّق آيآت القرءان فنكون بذلك قد وَصَلنا ما أمرنا الله بِهِ أن يوصَل، فيَصِل بذلك عملنا إلى الله ويتقبّله منّا.

إنَّ صلاتنا لله، أي تسبيحنا ودعائنا وركوعنا وسجودنا، أي خضوعنا وقنوتنا له لا تكون إلاّ بالقرءان وإقامته، أي بتطبيق جميع آياتِهِ والعمل بها.

أختي الكريمة، أنتِ قُلتِ بأنَّ هناك إختلافٌ واضح بين الصلاة (بالألف) الّتي تعني الصِلة بالله والصلواة (بالواو) الّتي تعني التعبدّ، أي الركوع والسجود، وأنَّ الآيات الّتي تُوضِّحْ ذلك كثيرة، لذلك أرجوا منكِ أن تُعطيني الدليل على هذا الإختلاف فتذكري لي تلك الآيات الّتي تُوضِّح ذلك، مع المُلاحظة أنَّ في جميع آيات القرءان لا توجد كلمة صلاة (بالألف).

أين قال الله تعالى في القرءان أنَّ الصلاة (بالألف) هي الصِلة بِهِ وأنَّ لها معنى مُختلف عن الصلواة (بالواو)؟

أمّا أنا فقد أعطيتك أدلَّة كثيرة عن معنى الصلواة في جميع الحلقات عن موضوع حقيقة الصلواة، وسوف أعطيك آيات أكثر على أنَّ الصلواة (القرءان) هي الصِلة، أي صلة الوصل والرابط، أي الحبل والقربى بيننا وبين الله عزَّ وجلّْ، لذلك أرجوا منك متابعة تلك الآيات البينات.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَـٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (٢٧).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ‌... (١٠٣).

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَٱتۡلُ عَلَيۡہِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَىۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأَخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَ‌ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (٢٧).

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآٮِٕنَا‌ فَمَا ڪَانَ لِشُرَڪَآٮِٕهِمۡ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ‌ وَمَا ڪَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَڪَآٮِٕهِمۡ‌ سَآءَ مَا يَحۡڪُمُونَ (١٣٦).

* سُوۡرَةُ الرّعد
أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓ‌ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩) ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَـٰقَ (٢٠) وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّہُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ (٢١) ... وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَـٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ (٢٥).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ‌ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‌ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِى وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ (١٨٦).

* سُوۡرَةُ إبراهیم
رَبِّ ٱجۡعَلۡنِى مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى‌ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ (٤٠).

* سُوۡرَةُ إبراهیم
أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٌ وَفَرۡعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ (٢٤) تُؤۡتِىٓ أُڪُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَا‌ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَڪَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (٢٦).

* سُوۡرَةُ الاٴحقاف
وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَالِدَيۡهِ إِحۡسَـٰنًا‌ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُ كُرۡهًا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهًا وَحَمۡلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلَـٰثُونَ شَہۡرًا‌ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِىٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَالِدَىَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحًا تَرۡضَٮٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ‌ إِنِّى تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (١٥) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡہُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـَٔاتِہِمۡ فِىٓ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡجَنَّةِ‌ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ (١٦).

* سُوۡرَةُ سَبَأ
وَمَآ أَمۡوَالُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِى تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِى ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ (٣٧).

 

أمّا بالنسبة لكتاب الدكتور محمد شحرور، سأكون معكِ صريحًا جدًا، لقد حاولت الإطِّلاع على هذا الكتاب ولكنَّ صدري ضاق جدًا بما يقول لأنه باختصار شديد كتاب مُعَقَّدْ ومُتناقض ولا يوجد فيه أي إفادة أو عِلم، لأنه مأخوذ من كتب الأحاديث والتفاسير والفلسفات البشرية السفسطائية والكاذبة الّتي لا أؤمنُ بها، لذلك أقولُ لكِ، إذا كان لديكِ سُلطانٌ بما تقولين وفقط من القرءان وليس من تفاسير البشر فأهلاً وسهلاً، أمّا إذا لم تأتني بسلطانٍ مُبين فلا يوجد أي سبب للنقاش معك.

في النهاية لكِ الخيار أن تختاري من تُريدين أن تَتَّبِعي، ولكن تذكَّري هذه الآية لعلَّ وعسى تستفيدينَ منها.

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ‌ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (٣).

 

فكان ردَّها لي كالتالي على موضوع محمد شحرور:
العكس تماماً هو الصحيح، محمد شحرور صاحب فكر متحرر جداً من خزعبلات التفسيرات القديمة، ولا يقيم وزنا للأحاديث المفبركة وفكره مترابط ومتماسك بطريقة لم أرها عند أي مفكر إسلامي من قبل، ولكن رغم هذا فهو بشر وحضرتك بشر وكل بشر خطَّاء، ونحن في النهاية كلنا في رحلة بحث عن الحقيقة، شكرًا على ردودك والله يهدي.

أمّا بالنسبة أنّه من المُمكن أن يكون الرسول محمد عليه السلام قد استنتج كيفية القيام بالخمس صلوات فرض من القرءان، فعذرًا يا أختي، أنتِ تتكلَّمين عن شيءٍ فَرَضي لست متأكدة منه ولا يوجد لديكِ سُلطان به، إذًا فإنَّ ما تقولينه يقع في دائرة الظن وهو ليس يقينًا، والظّنَّ كما قال الله تعالى لا يُغني من الحقِّ شيئًا، أنا لم أعطكِ دليلاً فرضيًا أو ظنًا ولكنّي أعطيتك البرهان والدليل الواضح والبّيِّنْ من آيات الله البيِّنات على أنَّ الصلواة هي القرءان، وعلى أنَّ إقامة الصلواة هي إقامة القرءان، لذلك أرجوا منكِ بل أطلب منكِ أن تُعطيني أنتِ أيضًا برهانًا على أنَّ الرسول محمد عليه السلام قد أتى فعلاً بالخمس صلوات فرض مع طريقة إقامتها وعدد ركعاتها من القرءان ومن دون أن تقولي لي: "أنه من المُمكن أنَّ الرسول قد إستنتج".

أمّا بالنسبة لقولك عن وجود الآن خُبرآء بِعِلمْ الأرقام والدلالات بإمكانهم تحديد العدد الدقيق للركعات لكل صلاة من الآيات القرءانية فعذرًا أختي أنا كإنسانٌ مؤمن أتدبَّرْ وأتفقَّه القرءان لا يُمكن ولا بشكلٍ من الأشكال أن أقبل أن أتعلَّم القرءان وأؤمن به من خلال هذا الّذي يُسمّونه بِعلم الأرقام والدلالات، وأنا آسف لقولي هذا، فإنَّ علم الأرقام والدلالات الزائف لا يُمكن ولا بشكلٍ من الأشكال أن يُوصلنا إلى معرفة القرءان وبيانه، وهذا العِلْم لا يؤدّي بنا إلاَّ إلى تشويش عقولنا ويُبعدنا عن المعنى والهدف الحقيقي من القرءان، ويَجعل القرءان الّذي هو بيِّن وواضح ومُفصَّل ومُيسَّر، يجعله مُعقَّدًا وظنّيًا وغير مُفصَّل وغير مفهوم وعسير، ويجعل آيات القرءان البيِّنات الّتي ضربها الله تعالى ببعضها مفصولة ومتباعدة عن بعضها في المعنى والمفهوم، ويجعلنا نبتعد عن المغزى الحقيقي الّذي من أجله أنزل الله تعالى إلينا القرءان، ويجعل الحق الّذي هو واضح وبيِّن بعيدًا كل البعد عنا.

هناك أسئِلة عديدة أريد أن أسألها لكل إنسان يُصدِّق بهذا العلم:
لو أرادنا الله تعالى فعلاً أن نفهم القرءان من خلال عِلْم الأرقام فهل يُظهِرُهُ الله تعالى علينا الآن ولا يُظهِرُهُ على رسوله الأمين محمد عليه السلام في السابق؟

وهل يُنْقِصُ الله تعالى محمدًا شيئًا من عِلم القرءان وهو الّذي اصطفاهُ وأرسَله إلى الناسِ كافة؟
وهل لدى خبرآء عِلْم الأرقام والدلالات سُلطان بهذا، أم يقولون على الله ما لا يعلمون؟

وهل هذا القرءان العربي الغيرِ ذي عِوج والواضح والبيِّنْ والمُفصّل بحاجة إلى ما يُسمّونه بعلم الأرقام والدلالات لتفسيره، مع العلم بأنَّ القرءان ليس بحاجة إلى هذا العلم الّذي ليس له أي معنى وليس له أية دعوة بمعاني آيات القرءان، لأنَّ آياته فسَّرها الله تعالى وفصَّلها لنا، ولذلك هي آيات بيِّناتٌ ومُبيِّنات؟

والسؤال الأهم هو، أين أخبرنا الله تعالى في القرءان عن هذا العِلْم وأمرنا أن نفهم القرءان من خلالِهِ؟
وهل القرءان يحتاج إلى لُغز رقمي ودلالي لِكي يُفهم، وخاصَّةً أنَّ الله تعالى يَسَّرَهُ لجميع أنواع البشر وليس فقط للعباقرة أصحاب العقول الرياضية والهندسية؟

أنا آسف جدًا لما قُلتُهُ ولما سوف أقولُهُ، ولا أقصد أبدًا الإساءة إلى أحد، ولكنكِ فتحتِ معي هذا الموضوع وأنا سوف أتكلم بكل صدق وأمانة من خلال ما علَّمني الله في كتابه العزيز، ولست إلاَّ مأمورٌ من الله عزَّ وجلّ أن أقول كلمة الحق ولو على نفسي، وأن أظهر الحق وأمحوا الباطل مهما كلَّف هذا الأمر، ولقد سمِعتُ بهذا العِلْم السفسطائي، الذي يخبرنا بأننا نستطيع أن نفهم القرءان من خلال رقم (١٩)، وهذا الرقم لا يُقدِّم ولا يؤخرّ في معرفتنا وتدبرِّنا للقرءان، ولا ينفعنا ولا يضُرُّنا، وعلمت أيضًا أنَّ دليلهم على هذا العلم هي آيات في سورة المُدَّثر، ونحن إذا تابعنا تلك الآيات لا نجد أنّ لها أيَّة دعوة بهذا العِلْم الرقمي، لأنها تتحدَّث عن عذاب جهنم، وعلى أنَّ عدد ملآئكة خزنة جهنم ال(١٩) ليس له أيّة دعوة بعلم الرقم (١٩)، ولكنه إنذارًا وإعلامًا من الله تعالى لناعن قوَّة وشِدّة ملآئِكة العذاب (خزنة جهنم)، وإنَّ آية "إنها لإحدى الكِبَرْ" هي في الحقيقة آية لجهنم لأنَّ "إحدى الكبر" الّتي ذكرها الله تعالى لنا في آيات القرءان الكريم هي عذاب الآخرة (جهنم) أنذرنا به وخيَّرنا أن نأخذ بهذا النذير.

* سُوۡرَةُ المدَّثِّر
سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبۡقِى وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِّلۡبَشَرِ (٢٩) عَلَيۡہَا تِسۡعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓٮِٕكَةً  وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَہُمۡ إِلَّا فِتۡنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَـٰنًا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ‌ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِہِم مَّرَضٌ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِہَـٰذَا مَثَلاً كَذَالِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَہۡدِى مَن يَشَآءُ‌ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ‌ وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ (٣١) كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ (٣٢) وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ (٣٣) وَٱلصُّبۡحِ إِذَآ أَسۡفَرَ (٣٤) إِنَّہَا لَإِحۡدَى ٱلۡكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِّلۡبَشَرِ (٣٦) لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ (٣٧).

إذا تابعتِ آيات سورة النازعات تجدين بكل وضوح أنَّ آية "إحدى الكبر" في سورة المدثر هي "الآية الكبرى" الّتي أراها موسى لفرعون وهي آية عذاب الآخرة (جهنم).

* سُوۡرَةُ النَّازعَات
هَلۡ أَتَٮٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ (١٥) إِذۡ نَادَٮٰهُ رَبُّهُ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (١٧) فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ (١٨) وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ (١٩) فَأَرَٮٰهُ ٱلۡأَيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (٢١) ثُمَّ أَدۡبَرَ يَسۡعَىٰ (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (٢٣) فَقَالَ أَنَا۟ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ (٢٤) فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأَخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ (٢٥) إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبۡرَةً لِّمَن يَخۡشَىٰٓ (٢٦).

أرجوا منكِ أن تقرأي هذه الآيات البينات:

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِى حَكَمًا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيۡڪُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ‌ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقًا وَعَدۡلاً لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦ‌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (١١٥) وَإِن تُطِعۡ أَڪۡثَرَ مَن فِى ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ (١١٦).

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَلَقَدۡ جِئۡنَـٰهُم بِكِتَـٰبٍ فَصَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٥٢).

* سُوۡرَةُ یُونس
قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآٮِٕكُم مَّن يَہۡدِىٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ‌ قُلِ ٱللَّهُ يَہۡدِى لِلۡحَقِّ‌ أَفَمَن يَہۡدِىٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَہِدِّىٓ إِلَّآ أَن يُہۡدَىٰ‌ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ (٣٥) وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّا‌ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِى مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔا‌ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٣٦) وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِى بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٣٧).

* سُوۡرَةُ النَّمل
..... قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَـٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (٦٤).

* سُوۡرَةُ هُود
الٓر‌ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١).

* سُوۡرَةُ الزُّمَر
وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (٢٨).

* سُوۡرَةُ القَمَر
وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٍ (١٧) ... وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٍ (٢٢) ... وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٍ (٣٢) ... وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٍ (٤٠).

لقد يَسَّرَ الله تعالى القرءان بِلِسان مُحمَّد، أي بِلُغَتِهِ العربية وليس برقم (١٩) وعِلْم الأرقام والدلالات، الدليل تجدينه في الآيات التالية.

* سُوۡرَةُ الدّخان
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَڪَّرُونَ (٥٨).

* سُوۡرَةُ طٰه
وَكَذَالِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرًا (١١٣) فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ‌ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِى عِلۡمًا (١١٤).

* سُوۡرَةُ مَریَم
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمًا لُّدًّا (٩٧).

إنَّ هذا العِلْم الّذي يُسمّونه بعلم الأرقام والدلالات هو علمٌ ظنّي، لأنَّ الله تعالى لم يُنزِّلْ بِهِ سُلطانًا، وأنا أطلب منكِ أن تُعطيني الدليل البيِّنْ من القرءان على هذا العِلْم.

فعادت بالرد التالي:
تفضل سيدي، وهنا أنا أقتبس من الكتاب الذي سبق أن ذكرته لك:
لقد رأينا أن من الضروري توضيح معنى الصلاة، جرياً وراء التوفيق ورفع اللبس بين قوله تعالى في سورة الماعون (فويل للمصلين * ... * الذين هم عن صلاتهم ساهون) واعتبار هذا القول موجهاً للمتقاعس عن أداء الصلاة بأوقاتها، كما ترى كتب التفسير، وبين قوله تعالى في سورة المرسلات (ويل يؤمئذ للمكذبين * … * كذلك نفعل بالمجرمين).

واللبس يتلخصّ في أنَّ الله سبحانه يتوعدّ المؤمن المتقاعس عن الصلاة بالويل وهو واد سحيق من وديان جهنم، ويتوعدّ به في ذات الوقت المجرمين المكذبين، ومن المستحيل أن يستوي في عدل الله سبحانه المسلم المؤمن المقصِّر في أداء الشعائر، والمكذِّب المجرم الكافر بوجود الله والمنكر للبعث ولليوم الآخر، وهو الذي يقول في محكم تنزيله:

* سورة القلم
أفنجعل المسلمين كالمجرمين (٣٥) مالكم كيف تحكمون (٣٦).

والحل في رأينا يكمن في مفهوم الصلاة ذاتها، فقد وردت الصلاة في التنزيل الحكيم بمعنيين محددين يختلف أحدهما عن الآخر في الشكل، ويلتقي معه في المضمون، فالصلاة في الحالتين صلة بين العبد وربه أساسها الدعاء، ولكن هذه الصلة أخذت منذ إبراهيم شكلين هما:

(١): صلة بين العبد وربه قالبها الدعاء، لا تحتاج إلى إقامة وطقوس، يؤدّيها كل إنسان له بالله صلة على طريقته الخاصة، وقد وردت في التنزيل الحكيم الصلاة بالألف.

(٢): صلة بين العبد وربه، لها طقوس وحركات محددة خاصة بها، كالقيام والركوع والسجود والقراءة، وتحتاج إلى إقامة، أي على الإنسان أن يقوم ليؤدّيها، وقد وردت في التنزيل الحكيم الصلواة بالواو، وهي من شعائر الإيمان، فإذا أردنا أن نفرقّ بين كل من هذين المعنيين في التنزيل الحكيم، فما علينا إلا أن ننظر في قوله تعالى:

* سورة النور
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة، يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار (٣٧).

هنا الصلوة (بالواو). وفي قوله تعالى:

* سورة النور
ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون (٤١).

هنا الصلاة (بالألف).

ونلاحظ أن الصلوة وردت في الآية الأولى بالواو، وبعد فعل الإقامة، ونفهم هنا أنها بمعنى القيام والركوع والسجود، أمّا في الآية الثانية، فقد وردت الصلاة بالألف (صلاته)، والحديث فيها عن الطيور، ولما كنا نعلم أن الطيور لا تقيم الصلوة الطقسية المحدَّدة بالركوع والسجود والقيام والقعود، فإننا نفهم أنها هنا بمعنى الصلة مع الله، وهي صلة تسبيح ودعاء يعلمها الطير ولا نعلمها نحن، لولا أن أخبرنا تعالى بها وبوجودها.

نخلص إلى أنَّ التنزيل الحكيم قد ميَّز في النطق سماعًا من جبريل وفي الخط كتابة بعد التدوين، بين الصلواة والصلاة، ليدلّنا على وجوب تمييز المعنى المقصود من الأولى وأنها القيام والقعود والركوع والسجود، والمعنى المقصود من الثانية وأنها صلة تسبيح ودعاء تنبع من إقرار بوجود صلة بين العبد وربه.

فإذا وقفنا أمام قوله تعالى:

* سورة الأحزاب
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا (٥٦).

وفهمنا أنَّ فعل "يصلون" وفعل "صلوا" هو من الصلوة، يصير معنى الآية أنَّ الله وملائكته يقومون ويقعدون ويركعون ويسجدون على النبي، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. وأن على الذين آمنوا أن يركعوا ويسجدوا أيضاً على النبي، ولكن الفعلين في الآية من الصلاة، أي الصلة، فيصبح معنى الآية أنَّ هناك صلة بين الله وملائكته من جهة، وبين النبي من جهة ثانية، وأنَّ الله يطلب من المؤمنين أن يقيموا صلة بينهم وبين النبي، قال بعضهم إنها الدعاء، وأنا أرى أنها أكثر من ذلك، ففي أذان الصلوة ذكر لله والرسول، وفي القعود الأوسط والأخير ذكر للنبي ولإبراهيم. ذكر النبي لأنه أبو المؤمنين، وذكر إبراهيم لأنه أبو المسلمين.

لقد ورد الأصل (صلو) ومشتقاته في التنزيل الحكيم (٩٩) مرة، جاء لفظ (الصلوة) بالواو في (٦٧) موضعاً منها، ونلاحظ في هذه المواضع أنَّ الصلاة ارتبطت بالإقامة حيناً وبالزكاة حيناً أو دلّ سياق الآية بمعناها العام أنَّ المقصود هو القيام والقعود والركوع والسجود، وليس الصلة.

واقرأ معي قوله تعالى:

* سورة البقرة
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون (٣).

* سورة مريم
وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكاة ما دمت حيًا (٣١).

* سورة المائدة
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون (٩١).

أما حين تأتي مضافة فنجدها حيناً بالواو وحيناً بالألف.

* سورة التوبة
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلوتك سكن لهم، والله سميع عليم (١٠٣).

* سورة الإسراء
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعون فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (١١٠).

لكنها في الحالتين لا تخرج عما ذكرنا. فالصلوة في التوبة، والصلاة في الإسراء هي الصلة بالدعاء، كما هو واضح، وكما أن فعل الصلاة والصلوة واحد، صلى/ يصلي/ صل/ يصلون، فكذلك الجمع منهما واحد، فالصلوات جمع الصلاة بمعنى الصلة، والصلوات جمع الصلوة بمعنى الركوع والسجود. يقول تعالى:

* سورة البقرة
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون (١٥٧).

* سورة التوبة
ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول.. (٩٩).

وهي هنا جمع الصلاة بمعنى الصلة.

* سورة البقرة
حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قانتين (٢٣٨).

وهي هنا جمع الصلوة وهي الركوع والسجود، ومن المفيد أن نشير استطراداً إلى أنَّ المقصود بالصلوة الوسطى في الآية، هي الصلوة المعتدلة الخاشعة المطمئنة التي تكاملت أركانها بلا إفراط ولا تفريط، وليست صلوة العصر كما يحلو لبعض المفسرين أن يزعموا.

فإذا سأل سائل عن قوله تعالى:

* سورة هود
قالوا يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا.. (٨٧).

* سورة إبراهيم
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق، إن ربي لسميع الدعاء (٣٩) رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء (٤٠).

وهذا يعني أنَّ الصلوة بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها كانت معروفة منذ إبراهيم فأين ضاعت هذه الصلوة ولم تصل إلى عهد النبي (ص)؟ نقول، لقد جاء جواب ذلك في صورة مريم بقوله تعالى:

* سورة مريم
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا، إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا (٥٨) فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيًا (٥٩).

ونفهم هنا أنَّ صلوة الركوع والسجود التي كانت عند إبراهيم وإسماعيل وشعيب وعيسى وزكريا قد ضاعت عند الخلف من بعدهم، لكن صلاة الصلة بالله بقيت موجودة ولم تنقطع، بدليل قوله تعالى عن مشركي العرب:

* سورة لقمان
ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله.. (٢٥).

فالمشركون يعرفون أنَّ الخالق هو الله، وعلى هذا فقد سمّاهم التنزيل مشركين ولم يسمِّهم مجرمين، واعتبروا عبادتهم للأصنام نوعاً من الصلة مع الله في زعمهم، لقوله تعالى:

* سورة الزُّمر
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.. (٣).

هامش من كتاب: "الإسلام والإيمان" - منظومة قيم - الفسم الاول "الإسلام والإيمان".

وكان ردّي لها كالتالي:
أكرِّر وأقولُ لكِ، إنَّ كلمة صلاة (بالألف) لم تَرِِدْ في أية آية من آيات القرءان الكريم ووردت فقط بالواو (الصلواة)، وإذا كان اعتقادك أنََّّ كلمة "صلاتهم" أو "كُلٌّ قد علم صلاتَهُ وتسبيحه" هي دليلك وإثباتك على وجود كلمة صلاة (بالألف) في القرءان، فهذا دليل على عدم معرفتك وفهمك وتدبّركِ لآيات القرءان، إنَّ كلمة "صلاتهم" الّتي وردت في بعض آيات القرءان هي (بالألف) لأنها أتت بصيغة الجمع ولم تأتِ بصيغة المُفرد، ولقد وردت أيضًا كلمة صلاة (بالألف) في آية "كُلٌّ قد علِمَ صلاتَهُ وتسبيحَهُ" لأنَّ كُلْ مخلوق له صلواة مُختلفة عن غيره من المخلوقات الأخرى، ولذلك قال الله تعالى "كُلٌّ".

أمّا الإنسان فقد أعطاهُ الله تعالى صلواة واحدة ألا وهي القرءان، وحديثنا كان عن الصلاة (بالألف) والصلواة (بالواو) ككلمة بصيغة المُفرَد وليس بصيغة الجمع، لذلك أكرِّر وأقول لك للمرة الألف، إئتني بآية واحدة توجد فيها كلمة صلاة بصيغة المُفرد أتت بالألف ولم تأتِ بالواو.

أنتِ تؤمنين بأحاديث وتفاسير بشر وتتَّبعينَ أولِيآء، وأنا لا اؤمن إلاَّ بحديث وتفسير كتابُ الله ولا أتَّبع إلاَّ الله، لذلك سوف أنهي النقاش معكِ لأنه أصبح جدلاً لا جدوى ولا فائدة منه، لذلك أنصحكِ أن لا تُضيِّعي وقتك في هذا الأمر لأنه لن يُفيدكِ في شيء، فأنا لن أُضيِّع وقتي الثمين في قرآءة أكاذيب وتفاسير مُقتبسة من خلال تحريف آيات الله، ولن أُضيِّع وقتي الثمين لِقراءة فلسفة سفسطائية ليس لها أيَّة قيمة أو معنى يستفيد منها الإنسان كفلسفة وتفسير محمد شحرور.

إقرأي تلك الآيات البينات:

* سُوۡرَةُ الکهف
وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن ڪُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَڪۡثَرَ شَىۡءٍ جَدَلاً (٥٤).

* سُوۡرَةُ الفُرقان
وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (٣٣).

* سُوۡرَةُ غَافر
مَا يُجَـٰدِلُ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُہُمۡ فِى ٱلۡبِلَـٰدِ (٤).

* سُوۡرَةُ غَافر
ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَٮٰهُمۡۖ ڪَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَالِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ ڪُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥).

* سُوۡرَةُ الحَجّ
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَيَتَّبِعُ ڪُلَّ شَيۡطَـٰنٍ مَّرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيۡهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَہۡدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ (٤).

* سُوۡرَةُ الحَجّ
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ (٨) ثَانِىَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ لَهُ فِى ٱلدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَنُذِيقُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ (٩).

* سُوۡرَةُ الزُّمَر
تَنزِيلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡڪِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُ‌ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِى مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ‌ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِى مَنۡ هُوَ كَـٰذِبٌ ڪَفَّارٌ (٣).

* سُوۡرَةُ الزّخرُف
وَكَذَالِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِى قَرۡيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ (٢٣) قَـٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡ‌ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ (٢٤).

* سُوۡرَةُ المَائدة
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡہَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡہَا‌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٌ مِّن قَبۡلِڪُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِہَا كَـٰفِرِينَ (١٠٢) مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٍ وَلَا سَآٮِٕبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ۬ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ‌ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ (١٠٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ‌ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَلَا يَہۡتَدُونَ (١٠٤) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡ‌ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡ‌ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (١٠٥).

* سُوۡرَةُ سَبَأ
قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاڪُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ (٢٤) قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّآ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (٢٥) قُلۡ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفۡتَحُ بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِيمُ (٢٦) قُلۡ أَرُونِىَ ٱلَّذِينَ أَلۡحَقۡتُم بِهِۦ شُرَڪَآءَۖ كَلَّاۚ بَلۡ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٢٧) وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا ڪَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَڪۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (٢٨).

ولقد عادت بالرد التالي:
سيدي، أنا لست هنا لاضاعة وقتك الثمين، فبقدر ما تبذل من مجهود لاجابتي وهو ما أشكرك عليه من صميم قلبي بقدر ما ابذل من مجهود لمحاولة تقريب فكرتي منك، وبما أنَّ اختصاصي ليس الشريعة الاسلامية فأنا احاول ذلك بتوجيهك نحو مفكِّر فكره قريب مما أظن انه صواب، أما بالنسبة لكوني اتَّبع أولياء وغير ذلك فلتعلم بأنَّ تفكيري يرفض تلقائيا التخريف الحاصل باعتبار كتب التراث مصادر تشريع لانَّ هذا بالنسبة لي وببساطة منافي للعقل لأسباب عديدة لست في صدد تعدادها، ولن أستطيع ان أناظرك لآني وكما أسلفت الذكر لا املك المؤهَّلات اللغوية والعلمية، لكني أستطيع ان آتيك بالمثل الذي طلبته ففي آيات:

"فويل للمصلين اللذين هم عن صلاتهم ساهون" وردت كلمة صلاة مفردة وبالألف، ولست مضطرا لاجابتي ان كنت ترى في ذلك مضيعة لوقتك، والسلام عليكم.

وكان ردّي لها كالتالي:
أختي الكريمة، شكرًا على تواضعكِ وصدقكِ وتهذيبكِ ولُطفكِ، ولكنكِ لم تُجيبيني على موضوع استنتاج محمد للصلواة وموضوع عِلْم الأرقام والدلالات، أنتِ ما زلتِ تُصرّين على موضوع كلمة الصلاة أو الصلواة، وهذا الأسلوب في تحليل معاني نص آيات القرءان ليس له أي معنى عندي، لأنه ليس هو الأسلوب الّذي علَّمني الله تعالى إياه لِتدبُّر القرءان، على كل حال سوف أحاول قدر الإمكان أن أختصر هذا الموضوع.

لقد ذكرتُ لكِ مُنذُ البداية أنَّ كلمة صلاة وإن كانت أتت بالألف بالمفهوم الشائع فهي نفسها الصلواة بالواو، وما أردتُ أن أقوله لكِ منذُ البداية أنَّه لا يوجد فرق في المعنى ما بين الصلاة بالألف والصلواة بالواو، أنا منذُ البداية أتكلَّم على كلمة صلاة وصلواة ككلِمة مُفردة في سياقها الّتي أتت بِهِ وقد عنيتُ كلمة صلاة تحديدًا وليس صلاته أو صلاتُك أو صلواتهم أو صلاتهم، ومن خلال القرءان فإنَّ كلمة صلاة أو صلواة لها معنىً واحدًا، وكذلك الأمر فإنَّ كلمة صلواتهم أو صلاتهم أو صلاتك أو صلواتك فلها أيضًا معنىً واحدًا إن كانت أتت بالمُفرد أو بالجمع.

أنا آسف لما قُلتُهُ لكِ بأني لا أريدُ أن أُضيِّعْ وقتي بهذا الجدل، ولكنّي فعلاً لا أُحبُّ أن أخوض في مواضيع وأمور ليس لها أي معنى في المضمون القرءاني، ونحنُ كمؤمنين ليست مهمتنا ولا يجب علينا أن نُفلسِفْ القرءان بتفريق معاني كلماتِهِ وآياتِهِ من خلال كلمة أتت بالألف أو بالواو، وأنا لست مُعتادًا على تدبُّرْ القرءان بهذه الطريقة، ولا أريد ذلك، لأنني بعد علم ومعرفة من الله تعالى، أؤكِّدُ لكِ أنها وسيلة خاطئة تؤدّي بأصحابها إلى تفرقة معاني الآيات عن بعضها وعدم ربطها ببعضها، وهذا ما فعله أسلافنا أن فلسفوا لغة القرءان من خلال طريقة كتابة كلماتِهِ، مِمّا أدَّى بهم إلى الميل عن طريق الحق والوقوع في الضلالة.

إنَّ القرءان الكريم هو أبسط بكثير مِن جميع تلك التعقيدات الّلغوية، وإنَّ كل كلمة في القرءان وضعها الله تعالى لنا، فصَّلها لنا، ولكن ليس من خلال وجود حرف ألف فيها أو حرف واو مثلاً، بل من خلال سياق الآيات وربطها معاني الكلمات ببعضها وعدم فصلها عن المعنى الحقيقي المُراد بِهِ في الآية، فأنا لا أستطيع ولا يجب علّيَّ أن أُفهم الآية من خلال كلمة واحدة كُتِبت بطريقة لُغوِيَّةْ مُعيَّنة في آيةٍ ما، ولكن علَيَّ أنْ أفهم الآية بسياقها وبمعناها الكُلّي وبعدم فصلها عن بعضها.

إنَّ أسلوب الدكتور محمد شحرور هو ليس أسلوبي في تعامُلي مع القرءان أو في فهمي له، ولقد جعلتني أقع في جدلٍ أنا في غنى عنهُ، لأنه لا يَهُمُّني إن أتت كلمة الصلواة بالألف أو بالواو، فأنا أؤمن وكُلّي ثِقة بِعِلمِ الله ومن خِلالِهِ أنّ هذا القرءان الكريم لا يحتاج إلى كُلّْ هذا التعقيد لِفهمِهِ، لأنه أبسط وأوضح بكثير من كل هذا الكلام، وهو بيانٌ لجميع الناس، وهذا الأسلوب في الفلسفة اللُّغوِيّة رُبَّما يُصيب ورُبَّما يُخطئ، أمّا أسلوب ربط آيات الله البيِّنات ببعضها لا يُمكِنْ أن يُخطئ لأنه تفسير الله، فالله تعالى فسَّرَهُ وبيَّنَهُ لنا من خلال معاني آياتِهَِ وليس من خلال طريقة كتابة أحرف كلماتِه، فالله تعالى ربط جميع آياتِهِ ببعضها وأعطانا الأدلََّّة من خلال المعاني والأمثال والعِبَر الّتي وضعها لنا في تلك الآيات، وهذا ما أحاول أن أُبيِّنه في حلقاتي.

أنا أستطيع أن أنقض كل ما قاله الدكتور محمد شحرور، بالأدلَّة والبراهين، ولكني أرفض ذلك لأني لا أريد أن أقع في جدلٍ ليس له نهاية، فسوف أعطيكِ مثالاً صغيرًا، فمثلاً آية (٤١) في سورة النور:
"ألم تر أنَّ الله يُسبّحُ لهُ من في السماواتِ والأرضِ والطيرُ صافّاتٍ كُلٌ قد علم صلاتهُ وتسبيحهُ".

الصلاة، أي التسبيح هنا هي ليست فقط للطير كما قال الدكتور ولكنها أيضًا لكل من في السماواتِ والأرضِ من مخلوقات، وليس صحيحًا ما قالهُ الدكتور أنَّ الله لم يُخبرنا عن طريقة صلواة، أي تسبيح المخلوقات الأخرى، لقد أعطانا الله تعالى أمثالاً عديدةً نستطيع بواسطتها أن نفهم كيفية صلواة، أي تسبيح جميع المخلوقات، والمبدأ الأساسي للصلواة والتسبيح هو أن يفعل كل مخلوق ما يأمره الله وبالسبب الّذي خلقهُ من أجلِهِ، فمثلاً سجود الماء هو إحياء الأرض، وسجود النبات هو بالتركيب الضوئي وبالعمل على إعطاء البروتيينات والسكرِّيات والزيتيات والأوكسيجين والأملاح إلخ...، وسجود الملآئكة يكون بإطاعتهم الله وبفعل ما يأمرهم الله، ولقد أعطانا الله تعالى مثالاً لذلك "الصافات والزاجرات والنازعات وغيرها"، وسجود الإنسان هو بإطاعة الله بما يأمرنا به وبما خلقنا من أجلِهِ، أي بالإيمان بالله والعمل الصالح.

أختي العزيزة، الصلواة هي القرءان، وإقامة الصلواة هي إقامة القرءان، أي تطبيق آيآتِهِ. فنحنُ لا يكفي أن نُصلّي بالقرءان ولكن علينا أن نُقيمُهُ، أي أن نعمل بِهِ، ونحن لا نستطيع أن نُقيم الصلواة، أي أن ُنقيم القرءان ونعمل به إلاّ إذا عَلِمْنا ما هي صلاتنا، أي إلاَّ إذا عَلِمْنا القرءان.

أنا آسف إذا كنت حازمًا معكِ بعض الشيء في جوابي السابق لكِ، ولكني لا أطيق أسلوب استخدام لغة القرءان وفلسفتها، أو فصل آيات الله عن بعضها، أو قول أنَّ آيات القرءان المتشابهة لها معاني مُختلفة عن بعضها، لأنه يذكِِّّرني بأسلوب جهلآء الدين الّذين حرَّفوا القرءان بواسطة تفريق معاني آياتِهِ عن بعضها.

أنا سعيد من أجلكِ لعدم اتِّباعك كتاب الصحيحين بخاري ومسلم وغيرهم، وإذا كُنتِ تُحكِّمين فعلاً العقل كما تقولين، فحاولي أن تتدبِّري الآيات من جديد بواسطة ربط مفهومها ببعضها، رُبَّما تُقنِعكِ تلك الآيات بنفسِها.

على كل حال، لست بصدد إقناعك بمعنى الصلواة وإقامتها، فهذا خيارك ولك الحق والحرِّية المُطلقة في اختيار ما تؤمنين به أو ما لا تؤمنين به، وفي النهاية أحترم رأيك.

والسلام عليكِ.

274 Aug 25 2017