إثباتات أخرى تُعطينا تعريفًا بيِّنًا للصيام من خلال أحسن البيان

 

إثباتات أخرى تُعطينا تعريفًا بيِّنًا للصيام من خلال أحسن البيان
(القرءان الكريم)

 

السلام على الصائمين والصائمات من خلال كتاب الله جلَّ في علاه.

لقد عرَّف الله تعالى لنا أيضًا معنى الصِيام في سورة المائِدة والنساء، وإذا تدبَّرنا تلك السُور، نجد بأنَّ الصيام هو أيضًا كفَّارة عن ذنوب الإنسان بفدية طعام مسكين. إذًا فالصيام هو التكفير عن السيئات والمعاصي والتوبة بإقامة الخير والإحسان، وهذا التكفير عن الذنب يتضمَّن إطعام مسكين (مساكين).

تلك السُور نجدها في التالي:

(١): * سُوۡرَةُ المَائدة
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡتُلُواْ ٱلصَّيۡدَ وَأَنتُمۡ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٍ مِّنكُمۡ هَدۡيَۢا بَـٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ أَوۡ كَفَّـٰرَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوۡ عَدۡلُ ذَالِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمۡرِهِۦ‌ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَ‌ وَمَنۡ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنۡهُ‌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ (٩٥).

في تلك الآية البيِّنة نجد تعريفًا وتفصيلاً لِمعنى الصِيام بقول الله تعالى: "... هَدۡيَۢا بَـٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ أَوۡ كَفَّـٰرَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوۡ عَدۡلُ ذَالِكَ صِيَامًا...".

إنَّ كفّارة قتل صيد البَّرّْ في الأشهر الحُرُم الأربعة، وإن كانت هذه الكفّارة هَديًا بالغ الكعبة، أي بالغ بيت الله (أي بالغ الأرض، لِأنَّ الكعبة هي أرض الله)، أو كانت طعام مساكين، أو كانت عدل (أي ما تشابه منه من خير)، فإنَّ كُلُّ ذلك يُسَمَّى صِيامًا، والدليل قول الله تعالى: "... ذلِكَ صِيامًا..."، وإنَّ كلمة "... ذلك..." تعود للهدي أو لطعام مساكين أو لعدل، وهِيَ كلمة تعريفِيَّة لِلصِيام، إذًا فالصيام بشكل عام فيه إطعام ومساعدة مادِّية ومعنويَّة للمحتاجين.

مِمّا يدلُّنا على أنَّ الصِيام هو فعل الخير والإحسان، أي فدية طعام مسكين، فهو يكون إمّا بِهديٍ يبلُغ الكعبة (أي الأرض)، أو بكفّارة طعام مساكين، أو بعدل (أي ما تشابه منه من خير)، وإنَّ كل حالة من تلك الحالات الثلاث هو عمل خير ولذلك عرَّفهم الله تعالى بكلمة واحدة بقولِهِ: "... ذَالِكَ صِيَامًا...".

إنَّ المعنى الظاهر لقتل الصيد هو القتل المتعمدّ للحيوان وإزهاق دمه وتعذيبه من دون سبب، أي من دون حق، وهذا يؤدّي أيضًا بالحيوان إلى الإنقراض، فالإنسان أفسد في الأرض وظلم أخاه الإنسان، ولم يكتفِ بهذا، بل ظلم أيضًا الحيوان وأهلك الحرث والنسل، وما زال يفعل ذلك، أمّا المعنى التشبيهي لقتل الصيد ونحن حُرُم، فهو قتلنا ماديًّا ومعنويًّا للناس من المشركين والكفار عَمْدًا (بغير حق) في وقت وخلال إعطائِنا وتبليغنا لهم رسالة القرءان.

ملاحظة صغيرة: لقد حرَّم الله تعالى على الّذين ءامنوا صيد البَّر خلال الأشهر الحُرُم الأربعة الّتي كانوا فيها يسيحون في الأرض لنشر وتبليغ رسالة القرءان، حمايةً إنسانية للحيوانات البرِّيَّة، ولكي لا تُقتل أو تُظلم أو تنقرض، ولكي تبقى تتزاوج وتتكاثر حفاظًا على وجوديَّتها وعلى ميزان الطَّبيعة، وكما حمى الله تعالى الحيوان من التنكيل به وقتله، حمى أيضًا الإنسان.

(٢): * سُوۡرَةُ المَائدة
لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِىٓ أَيۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُڪُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَـٰنَ‌ فَكَفَّـٰرَتُهُ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ‌ ذَالِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَـٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡ‌ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَـٰنَكُمۡ‌ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٨٩).

في آية (٨٩) من سورة المائدة، نجد أنَّ كفّارة اللغو في أيماننا، أي في خروجنا عن عهدنا أو ديننا هو بالحج، لذلك قال الله تعالى: "... فَكَفَّـٰرَتُهُ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ‌..."، تمامًا كما قال تعالى في آية (١٩٦) من سورة البقرة: "... فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِى ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡ‌ تِلۡكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ...".

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ‌ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡىِ‌ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦۤ أَذًى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡىِ‌ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِى ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡ‌ تِلۡكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَالِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُ حَاضِرِى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ‌ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (١٩٦).

نرى من خلال آية (١٩٦) في سورة البقرة أنَّ الصيام والحج لهما مبدأ واحد ولا يستطيعان الإنفصال عن بعضهما البعض، فالحج وإعمار مساجد الله، أي الحج والإعمار والإنتشار في كل مكان في الأرض هو إقامة الصيام وتطبيقه في الناس بهدف تبليغ رسالة القرءان لجميع الناس في هذه الأرض وإطعام المساكين والفقراء والمُحتاجين وإقامة الإصلاح عملِيًّا على أرض الواقع في كل مكان في هذه الأرض الّتي نعيش فيها، ولذلك فإنَّ الحج هو كلمة تعريفيَّة شاملة وتطبيقية للصيام تُقام في جميع أنحاء الأرض، ونستطيع أن نقول بأنَّ الحج وإعمار مساجد الله هو إبتغاء زيارة كتاب الله والدخول والإقامة فيه والتطبيق العملي أو الفعلي للقرءان لكل بائس ومُعتر ولكل مسكين يحتاج إلى مساعدة مادية أو معنوية في هذه الأرض ومن دون إستثناء.

(٣): * سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـًٔا‌ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـًٔا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤۡمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْ‌ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوٍّ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤۡمِنَةٍ وَإِن ڪَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَڪُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَـٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤۡمِنَةٍ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةً مِّنَ ٱللَّهِ‌ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَڪِيمًا (٩٢).

في تلك الآية البيِّنة آية (٩٢) من سورة النساء، تجدون أنَّ كفّارة المؤمن الّذي يقتل عن غير قصد أو عمد هي بتحرير رقبة أو بدية مسلَّمة أو بصيام شهرين متتابعين، فإذا كان تحرير الرقبة والدِّية المُسلَّمة هما بهدف الخير والإحسان والنفقة، إذًا فإنَّ صيام شهرين متتابعين هو بالتأكيد بهدف الإحسان والنفقة، الفارق الوحيد هو أنَّ الّذي لم يجد رقبة مؤمنة يُحرِّرُها، فعليه أن يصوم (٦٠) يومًا متتابعين، أي عليه أن يُطعِم مسكينًا أو مساكين كل يوم ولمدة (٦٠) يومًا بالتتابع، إذًا فالكفّارة تكون بعمل الخير ظاهرًا أو باطنًا، وهذا هو مفهوم الصيام، تجدون أيضًا في هذه الآية بأنَّ الصيام هو شهرين مُتتابعين، أي إطعام ستينَ مِسكينًا كل يوم بتتابع خلال شهرين.

(٤): إذا أردتُ أن أختصر بكلمتين مفهوم الصيام من خلال جميع تلك الآيات البيِّنات السابقة الّتي عُرِّف فيها الصيام بالكفّارة، فإنّي أستطيع أن أقول بأنَّ مبدأ الصِيام للّذي يُطيقُهُ، أي للّذي يقدِرْ عليه، أي للّذي آمن بالقرءان، أو للّذي كفَرَ ثُمَّ تاب فعاد إلى الإيمان بالقرءان، أو للّذي يُريد أن يُكفِّرْ عن ذنبِهِ ويتوب بسبب قتله مؤمنًا خطئًا، هوَ فعل الخير والإحسان ومساعدة المساكين والمحتاجين (بمعناه الظاهر والباطن) حتى نزكّي (نطهِّر) أنفسنا من السيِّئات والذنوب والمعاصي. إذًا فإنَّ الصيام يكون بتعلمّ القرءان أي بتعلمّ الخير من آيات القرءان بهدف الإمتناع عن فعل الشر وطهارة النفس بهدف تطبيق تلك الآيات والعمل بها، وتطبيق الصيام لِلّذي يقدر عليه يكون بإقامة الصلواة، أي بالإحسان إلى المساكين وفعل الخيرات وبتبليغ رسالة القرءان، فيكون الله تعالى بذلك قد أخرجنا من الظلمات (جهنم) إلى النور (الجنة).

(٥): السؤال هو: لماذا أعطانا الله عزَّ وجلّ الفرصة للتكفير عن ذنوبنا في هذه الأرض بعمل الخير والإحسان؟
وكيف نستطيع أن نُكفِّر عن ذنوبنا بهذه الطريقة؟
وما معنى الكفَّارة والهدف منها؟

الجواب كالتالي: إنَّ التكفير عن الذنوب بإقامتنا للخير والإحسان وبمساعدتنا للمساكين ماديًّا ومعنويًّا هو ليس من أجل الله، ولكنه من أجل أنفسنا، فالله تعالى لن ينال من فعلنا للخير وإطعامنا للمساكين أي شيء، كما أخبرنا في آية (٣٧) من سورة الحج:

* سُوۡرَةُ الحَجّ
لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡ‌ كَذَالِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ‌ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (٣٧).

إذًا فالكفَّارة هي بمثابة مُساعدة نفسية ومعنوية تهدف إلى إعادة تقوانا لله وبالتالي إنسانيَّتنا لأنفسنا من بعد أن فقدناها بسبب أعمالنا السّيئة الّتي قُمنا بها، وكذلك تهدف إلى التخفيف عنّا شعورنا بالذنب وتأنيب الضمير (مثالاً لذلك كقتل نفس بغير قصد)، لِكي نستطيع أن نُسامِح أنفسنا عن أي عمل سيّء قمنا بِهِ من خلال عمل آخر حسن (فيه إحسان) نقوم بِهِ، فلا نفقُد بذلك إنسانيَّتنا، لأنَّ أعمال الخير والإحسان مهما كان نوعها إذا كان هدفها صادق وسليم، فإنها تجعل الإنسان المُذنب والّذي أراد أن يتوب، يشعر بالسعادة في قلبِهِ وبالخير يعتريه ويعود إلى نفسِهِ، وصدق الله تعالى في قوله في آية (١١٤) من سورة هود: "... إنَّ الحسنات يُذهِبنَ السِّئات...".

هذا مثلٌ واحد من أمثال الله سبحانه وتعالى عن علم النفس البشرية الّذي علَّمنا إيّاهُ ووضعه لنا في آيات كثيرة من آيات القرءان الكريم.

(٦): باختصار مُفيد:
إنَّ إكمال العدَّة هو إكمال علم القرءان كاملاً، أي هو أخذ وتعلمّ القرءان كاملاً بهدف تكبير الله وشُكرهُ، أي بهدف إقامة الصلواة، أي إقامة القرءان بين الناس.

شهد منكم الشهر = شهد منكم الكتاب، أي القرءان = أخذ ورأى وتعلم علم القرءان كاملاً، لأنَّ الله تعالى أنزل القرءان كاملاً في مدة شهر.

شهر رمضان هو كناية عن الوقت الّذي نزل فيه القرءان على الرسول محمد عليه السلام في قومه آنذاك، وكان هذا الوقت في زمن الرسول هو الوقت الّذي منَّ الله تعالى على محمد وقومه لهدايتهم. فمثلاً شهر رمضان بالنسبة لي هو الوقت الّذي منَّ الله تعالى عَلَيَّ وهداني إلى علم القرءان، ولقد شهدتُ الشهر منذ أكثر من (١٠) سنوات وما زلت أشهده حتّى الآن، وهذا يعني أنَّ صيامي قد بدأ لنقل منذ (١٠) سنوات وما زال قائمًا حتّى الآن، وأتمنى وأرجو من الله عزَّ وجلّ أن يبقى صيامي بمشيئتِهِ تعالى قائِمًا إلى حين ينتهي أجلي.

وأنتم تشهدون الشهر منذ الوقت الّذي يهديكم الله تعالى إلى قرءانِهِ، وهو الوقت الّذي فيه يكون صيامكم (أي ابتعادكم عن جهنم) قد بدأ، وإذا داومتم على القرءان فسوف يبقى صيامكم قائِمًا.

إذًا فنحن لا نصوم في نفس الوقت، لأنَّ كل إنسان فينا يبدأ صيامه عندما يهديه الله تعالى للقرءان، وهذا يعني أنَّ الصيام لا يُحدّدّ بشهر مُعيَّن، لأنَّ الوقت الّذي يهدي الله تعالى فيهِ الناس يختلف من إنسان إلى آخر، وإنَّ كلمة شهر في القرءان ليس الهدف منها في الحقيقة أن نصوم في شهر مُعيَّن، ولكنَّ الشهر هو كناية عن نزول القرءان كاملاً خلال (٣٠) يومًا، وتذكرةً لنا بقيمة هذا الشهر العظيم الّذي فيهِ نزل القرءان.

ونحن إذا شهدنا الشهر نكون قد شهدنا علم القرءان كاملاً حتّى ولو كان وقت معرفتنا لعلم القرءان قد أخذ مثلاً سنتين أو ثلاثة أو أربع سنوات، فالرسول محمد عليه السلام وقومه قد شهدوا الشهر لسنوات عديدة، ونحن عندما نشهد الشهر فعلينا أن نصُمْهُ بالقرءان، أي علينا أن نبتعد عن طريق الشر والظلم والفساد من خلال تعلّمنا وتطبيقنا للقرءان، وعلينا الإبقاء أي الحفاظ على صيامنا إلى آخر حياتنا.

الصيام = الإمتناع عن جهنم = الإمتناع عن الذنوب والمعاصي = دخول الجنة.
فليصمه = فليمتنع عن الذنوب والشر والمعاصي بأكله وشربِهِ من القرءان.

"... فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌...": إنَّ كلمة "... شَهِدَ..." لا تعني شَاهَدَ، مِمّا ينفي تحديد وقت الصيام برؤية القمر، وإنَّ كلمة "... منكم..." هي حالة إستثنائِيَّة، وهذا ما أخبرتكم بِهِ عن أنَّه ليس بالضرورة أن نشهد الشهر في نفس الوقت، وهناك احتمال كبير أيضًا أن لا نشهد الشهر أبدًا في حياتنا، وهذا هو في الحقيقة ما يحدث في هذه الأرض بالنسبة لأكثر الناس، لأنَّ أكثرهم لا يُريدون الهداية والإمتناع (الصيام) عن فعل السيِّئات ولذلك لن يهديهم الله تعالى إلى قرءانِهِ، وبالتالي فلن يشهدوا الشهر.

(٧): إنَّ ليلة القدر هي ليلة نزول القرءان أو التوراة أو الإنجيل سابقًا، وليس بالضرورة أن يكون نزول القرءان لمحمد هو في نفس الوقت الّذي نزلت فيه التوراة لموسى أو نزل فيه الإنجيل لعيسى. فالوقت الّذي شهد محمد فيه الشهر ليس بالضرورة أن يكون نفس الوقت الّذي شهد فيه موسى أو عيسى الشهر، فكل رسول كان له وقته الخاص للهداية، وكل أمَّة كان لها وقتها الخاص للهداية.

فمثلاً عيسى عليه السلام قد شهد الشهر وهو في رحم أمِّهِ مريم خلافًا لموسى أو لمحمد، وإنَّ ليلة القدر هي كل ليلة كان الله تعالى يوحي فيها كتبه لأنبيائِهِ ورُسُلِهِ، وبالنسبة للقرءان فإنَّ ليلة القدر كانت (٣٠) يومًا أو شهرًا كاملاً، وبالنسبة لموسى كانت (٣٠) يومًا أتمَّها الله تعالى (ب١٠) أيام إضافية فأصبحت (٤٠) يومًا، وبالنسبة لعيسى كانت الأشهر الّتي كان فيها في رحم أمِّهِ مريم (سلام على جميع الأنبياء والمرسلين).

إذا تدبَّرنا آية (١٢) من سورة الإسراء، نجد أنَّ الله تعالى أرادنا أن نحسب الأشهر بواسطة الشمس وليس بواسطة القمر، هذا يدلُّنا على أنَّ مفهوم شهر رمضان هو ليس كما يظن أكثر المسلمون، مِمّا يُثبت لكم أيضًا ما ذكرتُهُ عن معنى شهر رمضان.

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّہَارَ ءَايَتَيۡنِ‌ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّہَارِ مُبۡصِرَةً لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلاً مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَ‌ وَڪُلَّ شَىۡءٍ فَصَّلۡنَـٰهُ تَفۡصِيلاً (١٢).

آية الّيل هي آية القمر، وآية النهار هي آية الشمس.

في الختام أدعوا الله تعالى أن يُكفرّ عنّا سيّئاتنا ويتوفّنا مع الأبرار، والسلام على أولي الألباب.

 

242 May 30 2017