التفسير المُيسَّر للصيام من خلال أحسن التفسير

 

التفسير المُيسَّر للصيام من خلال أحسن التفسير (القرءان الكريم)

 

السلام على الصائمين والصائمات من خلال كتاب الله جلَّ في علاه.
أهدي مقالتي هذه إلى جميع المؤمنين والمؤمنات فقط بكتاب الله العليم الحكيم.

(١): إذا عدنا لآية (١٨٧) من سورة البقرة وبعد أن بيَّنتُ لكم موضوع الإسحار في المقالة السابقة، نجد تفصيلاً كاملاً شاملاً للصيام، وتبيانًا لمعناه، وطريقة إقامته، والهدف منه، بقوله تعالى فيها:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
أُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآٮِٕكُمۡ‌ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٌ لَّهُنَّ‌ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّڪُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَڪُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡ‌ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا ڪَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ‌ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ‌ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَا‌ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (١٨٧).

نجد في تلك الآية البيِّنة أنَّ الصيام يُقام في الّيْل (الأسحار) والنهار، وليس فقط في النهار كما يظن أكثر الناس.

الدليل على أنَّ الصيام يُقام في الّيْل نجده في قولِهِ تعالى: "أُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ..." وفي قولِهِ أيضًا: "... ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌...".

والدليل على أنَّ الصيام يُقام في النَّهار نجده في قولِهِ تعالى: "... وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌..." وفي قوله أيضًا: "... وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ‌...".
إذًا فإنَّ الصيام لا يكون إلاَّ بالأكل والشرب من القرءان وإقامته، والعمل بِما يأمرنا الله عز وجل في آياتِهِ ليلاً ونهارًا.

هذه الآية البيِّنة آية (١٨٧) تُثبت بل تؤكدّ لنا أنَّ مبدأ وهدف وأساس وسبب الصيام الّذي ذكره الله تعالى وبيَّنه لنا من خلالها ليس له أيّ دعوة بالصيام الكاذب المُحرَّف والمُبتدع الّذي يُقيمه أكثر الناس في هذه الأرض على حسب اختلاف أديانهم وعقائدهم الباطلة.

(٢): أمّا بالنسبة لقول الله عزَّ وجلّ في آية (١٨٥) من سورة البقرة:

* سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).

نجد في قول الله تعالى "... يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ..." دليلاً قوِيًّا على تعريف الصيام، فهل من اليسر أن نبقى من دون غِذاء ولا ماء نهارًا كامِلاً يتكرَّر لمدَّة (٣٠) يومًا وخاصَّة في بلادنا الحارّة ووقت العمل؟

أليس الله سبحانه وتعالى أدرى بِطبيعة خلقنا وبحاجة جسدنا إلى الغذاء والماء؟
ولماذا علينا أن نمتنع عن الأكل والشرب وما المغزى من ذلك؟
وهل صحيح أنَّ الصائِم يشعر فعلاً مع المسكين بامتناعه عن الأكل والشرب وهو يعلم أنه سوف يأكل ويشرب وقت غروب الشمس؟
وماذا يستفيد المسكين من صِيام أصحاب المال؟
ولماذا على المسكين أن يمتنع هو أيضًا عن الأكل والشرب، علمًا بأنه أكثر الناس حاجة للغذاء اليومي، فهل عليه هو أيضًا أن يشعر مع مسكين آخر مثله وهو بأمَسِّ الحاجة لِمَن يشعر معه؟

الجواب الصحيح على تلك الأسئلة والّذي يُبيِّن لنا معنى الصيام، نجده في الآيات البيِّنات التالية من سورتَيْ الإنسان والبلد:

* سُوۡرَةُ الإنسَان
إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ڪَافُورًا (٥) عَيۡنًا يَشۡرَبُ بِہَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَہَا تَفۡجِيرًا (٦) يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمًا كَانَ شَرُّهُ مُسۡتَطِيرًا (٧) وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا (٩) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسًا قَمۡطَرِيرًا (١٠) فَوَقَٮٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَالِكَ ٱلۡيَوۡمِ وَلَقَّٮٰهُمۡ نَضۡرَةً وَسُرُورًا (١١) وَجَزَٮٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢) ...... (٢١) إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَآءً وَكَانَ سَعۡيُكُم مَّشۡكُورًا (٢٢).

في تلك الآيات البَيِّنات من سورة الإنسان نَجِد بأنَّ الإنسان لا ولن يستطيع أن يشعر مع المسكين إلاّ إذا أخرج مالاً أو طعامًا من خاصَّتِه وأعطاهُ فعليًّا لهذا المسكين بكل حُبّْ وأمانة.

إنَّ طهارة النفس (الزكاة) لا تكون إلاّ بالعمل الصالح وليس بالكلام، ولذلك أمرنا الله تعالى بالصيام حتى يُعطينا فرصة أن نُطَهِّر أنفسنا ونتذكَّر وجود القرءان العظيم فنُقيم الصلاّة. فالصلاة هي القرءان وإقامة الصلاة هي إطاعة الله والعمل بآياته، ولذلك قال الله تعالى في آية (١٨٦):
"وإذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّي فَإنِّى قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ، فَلْيَسْتَجيبوا لِى ولْيُؤمِنوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".

دُعاؤنا لله يكون بإطاعته والعمل بآياته وتطبيقها، أي يكون بفعل الخير والإحسان وإقامة الإصلاح، فالله تعالى قريبٌ مِنّا في كل كلمة أو قول أو حديث حدَّثنا بِهِ في آياتِهِ، إذًا فنحن نشعر بالقرب من الله تعالى عندما نقرأ آياته بتدبّر فنصوم، وكأنَّهُ سُبحانهُ يُحدِّثُنا ويأمرنا مُباشرةً من خلالها، واستجابتنا لهُ تكون عندما نؤمن به، فنترجم صومنا هذا عملِيًَا على أرض الواقع بفعل الخير والإحسان ومساعدة المسكين واليتيم والأسير.

* سُوۡرَةُ البَلَد
لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ (٤) أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالاً لُّبَدًا (٦) أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُ عَيۡنَيۡنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيۡنِ (٩) وَهَدَيۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ (١٠) فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ (١١) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوۡ إِطۡعَـٰمٌ فِى يَوۡمٍ ذِى مَسۡغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقۡرَبَةٍ (١٥) أَوۡ مِسۡكِينًا ذَا مَتۡرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ (١٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ (١٨).

أمّا في تلك الآيات البَيِّنات من سورة البلد نَجِد بأنَّ نفقة المال أو الطعام هي أكبر عَقَبَة على الإنسان الغير مؤمن، لذلك تَمَّ تبديل كلمة الله العُلْيا "... يُطيقونَهُ..." بكلمة البشر السُّفلى "لا يُطيقونه" بِهَدَفِ إخفاء الحقيقة والتَّنَصُّل من مساعدة المساكين واليتامى بإطعامهم، وهذا تَمَّ عن سبق إصرار وترصُّد من قِبَل أُناس قد كفروا وضَلّوا في السابق وأناس لَحِقت بِهم وسارت على خُطاهُم بالكفر والضلالة وما زالوا يكفرون حتّى يومنا هذا إلى أجلٍ مُسَمَّى.

(٣): للأسف الشديد إنَّ أكثر الناس وضعوا القرءان العظيم وراء ظهورهم واتَّبعوا ما تتلوا الشياطين (علماء الدين الجهلاء) من أكاذيب على مُلكِ مُحمد الّذي هُو القرءان العظيم، وما كفرَ محمد صلوات الله عليه ولكنَّ الشياطين (السلف الطالح وأئمَّة الفسوق والعصيان ومن اتَّبعهم بإجرام إلى يوم الدين) كفروا، يُعلِّمون الناس السحر، أي الكلام الجميل المعسول الكذَّاب كالصيام الباطل، وما هُم بضارين بِهِ من أحد إلاّ من أراد شِرائه (شِراء الضلالة بالهُدى)، هذا ما فعله العرب بمُلك (بكتاب) رسولهم محمد عليه السلام، كما فعل بني إسرائيل بِمُلك (بكتاب) رسولهم سُليمان عليه السلام، كما بيَّنَ تعالى لنا في الآيات التالية من سورة البقرة:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٌ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ ڪِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (١٠١) وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَـٰنَ‌ وَمَا ڪَفَرَ سُلَيۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَڪَيۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ‌ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٌ فَلَا تَكۡفُرۡ‌ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦ‌ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ‌ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَٮٰهُ مَا لَهُ فِى ٱلۡأَخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقٍ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ‌ لَوۡ ڪَانُواْ يَعۡلَمُونَ (١٠٢) وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٌ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (١٠٣).

(٤): إذا عدنا لآية (١٨٥) من سورة البقرة:

* سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).

نجد في هذه الآية العظيمة والبيِّنة أنَّ الله تعالى يُذكِّرُنا بأنَّ القرءان أُنزِلَ في شهر الحَرّْ بقولِهِ فيها "... شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ..."، تذكرةً منهُ عز وجل بقيمة القرءان العظيمة.

إنَّ قوم الرسول محمد عليه السلام كانوا على شفا حفرة من النّار فأراد الله تعالى أن يُخرجهم منها بتنزيل القرءان، وكذلك الأمر بالنسبة لنا، فكم من الناس في زمننا الحالي هُم على شفا حفرة من النار ولا يستطيعون الخروج منها إلاَّ بواسطة القرءان الّذي هو الإنجيل والتوراة وجميع رسالات الله باللغة العربية، وهذا كان السبب الأوَّل والأخير الّذي جعل الله تعالى يحفظ القرءان بمشيئتِهِ ويمنع تحريفه.

إذًا فالشهر هو كناية عن القرءان، وصيام شهر رمضان هو كناية عن الإمساك أو الإمتناع عن عذاب جهنم بواسطة القرءان، لأنَّ القرءان الكريم أُنزِل في هذا الشهر وهو وحدهُ الّذي يستطيع أن يُبعِدُنا عن نار أو عذاب جهنم ويُدخلنا الجنة، فهو يهدي الناس من خلال آياتِهِ البيِّنات لأنهُ يفرق بين الحق والباطل، ويُبيِّن للناس ما هو طريق الحق وما هو طريق الباطل ويفرق لهم بينهما، فيحثّ بذلك الإنسان على فعل الخير والإحسان، أي على الإصلاح في الأرض، ولذلك قال تعالى في هذه الآية: "... هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌..."، ولقد وصف الله عزَّ وجلّ القرءان في هذه الآية "بالفرقان" تمامًا كما قال تعالى في آية (١٨٧) من سورة البقرة: "... وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌..."، هذا يعني أنَّه علينا أن نأكل ونشرب من القرءان، أي من رزق الله حتى يتبيَّنَ لنا الفرق بين الخير والشرّ، حتى (لِكي) نستطيع أن نفرُقْ، أي نُميِّز طريق الخير من طريق الشر، فلا نُسرِف.

إذًا فإنَّ صيامنا، أي إمساكنا هو ليس إمساك وامتناع عن الطعام والشراب المادي، ولكنَّهُ إمساك وامتناع عن السيِّئات وبالتالي عن عذاب جهنم بتعلّمنا وتدبّرنا للقرءان وإقامته، ولذلك أكمل الله تعالى آية (١٨٥) في سورة البقرة بقولِهِ: "... يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ".

إخوتي وأخواتي الكرام، لاحظوا قول الله تعالى: "... وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ"، لأنَّ الله تعالى يريد أن يهدينا فيمنعنا من دخول جهنم ويُدخلنا الجنة، وإنَّ قوله هذا هو أكبر دليل على أنَّ صيام شهر رمضان هو إمساكٌ عن دخول جهنم، وهذا الإمساك لا يكون إلاّ بهدايتنا بكِتابِهِ.

إذًا فإنَّ أمر الله تعالى لنا بقوله في آية (١٨٧): "... وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ..."، هو أمرٌ لنا بالأكل والشرب من القرءان "لكي نُكبِّرُهُ على ما هدانا": نؤمن بِهِ ونُبلِّغ رسالاته لجميع الناس ونقيمها بينهم، و"لعلَّنا نشكُر لهُ": نفعل الخير والإحسان، ونقيم الإصلاح بين الناس في الأرض في سبيله.

إذا كان الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب كما علَّمونا إياه، فهل نكون بصيامنا هذا "نُكبِّر الله على ما هدانا ونشكر له"؟

وهل التكبير والشكر لله على ما هدانا من قرءان يكون بإمساكنا عن الطعام والشراب في كل يوم إلى أن تغرب الشمس ولمدة (٣٠) يوما؟

وإذا قارنا الآيات التالية، آية (١٨٥) من سورة البقرة بآية (٣) من سورة المائدة، نجد أنَّ قول الله تعالى في آية (١٨٥) من سورة البقرة: ".. وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ..." هو متشابه مع قوله تعالى في آية (٣) من سورة المائدة: "... ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى..."، إذًا فإنَّ صيامنا لإكمال العِدَّة هو صيامنا لإكمال ديننا ولإتمام نعمة الله علينا، أي لأخذنا وتدبّرنا لعلم القرءان كاملاً والعمل به، أي لختمنا لعلم القرءان بكل ما تحتوي هذه الكلمة من معنى:

* سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).

* سُوۡرَةُ المَائدة
حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِ‌ ذَالِكُمۡ فِسۡقٌ‌ ٱلۡيَوۡمَ يَٮِٕسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِ‌ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينًا فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِى مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثۡمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣).

وإنَّ قول الله تعالى لنا في آية (١٨٥) من سورة البقرة: "... فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌..."، هو تمامًا كقولِهِ في آية (١٨٤) من سورة البقرة: "... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٌ طَعَامُ مِسۡكِينٍ...".

ونحن فقط بعمل الخير والإحسان والعدل وإقامة الإصلاح نكون من الّذين يُطيقون الصيام، أي نكون من الّذين يقدرون أن يُمسكوا وأن يمتنعوا عن دخول جهنم، ولقد قال الله تعالى لنا: "... فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌..."، ولم يقُل تعالى لنا: "فَمَن شاهد مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌".

* سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).

* سورة البقرة
أَيَّامًا مَّعۡدُودَاتٍ‌ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٌ طَعَامُ مِسۡكِينٍ۬ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرًا فَهُوَ خَيۡرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٌ لَّڪُمۡ‌ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (١٨٤).

(طاق الصيام = شهد الشهر = شهد القرءان = أكمل العِدّة).

(٥): ملاحظة هامَّة: يقول أكثر الناس بأنَّ إتمام الصيام المزعوم إلى الليل يعني إلى المغرب، بمعنى أصحّ أنَّ الليل هو أولّ غروب الشمس، سبحانه وتعالى عمَّا يقولون ظلمًا وزورًا، الدليل على أنَّ الليل هو ليس المغرب نجده في آية (٣٩) و(٤٠) من سورة ق.

* سُوۡرَةُ قٓ
فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ (٤٠).

"... وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ" ----- "... وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ" ----- "... وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ".
"... وَمِنَ ٱلَّيۡلِ..." ----- "... وَمِنَ ٱلَّيۡلِ..." ----- "... وَمِنَ ٱلَّيۡلِ...".

في الختام، أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يُكملون العدَّة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

240 May 26 2017