مفهوم الأكل والشرب في آية (١٨٧) من سورة البقرة

 

مفهوم الأكل والشرب في آية (١٨٧) من سورة البقرة

 

السلام على من أكل وشرب فقط من كتاب الله العظيم.

* سورة البقرة
أُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآٮِٕكُمۡ‌ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٌ لَّهُنَّ‌ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّڪُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَڪُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡ‌ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا ڪَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ‌ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ‌ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَا‌ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (١٨٧).

إنَّ المقصود بالأكل واالشرب في هذه الآية البيِّنة، هو أن نأكُل ونشرب من القرءان، فالقرءان هو الغذاء الروحي للإنسان لأنَّهُ يُحيي نفسهُ، تمامًا كما يُحيي الأكل والشرب جسدهُ، إذًا فالله تعالى يُحيي أنفسنا بالروح الّتي هي آياته البيِّنات الّتي أنزلها علينا ووضعها لنا في القرءان، ولقد أمرنا الله تعالى أن نُداوم على أكلنا وشربنا من آياتِهِ حتّى يتبيَّنَ لنا "الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"، وهذا يعني أنَّهُ علينا أن نأكل ونشرب من آيات الله حتى يتبيّنَ لنا الفرق بين الحق والباطل من القرءان، أي حتّى يتبيَّنَ لنا الفرق بين الخير والشر من القرءان، ومن ثُمَّ علينا أن نُتِم (أي نُكمِل) صِيامنا بأكلنا وشربنا من القرءان إلى الّيَلْ، فنداوم على ذلك في كل يوم إلى أن تُصبِح لدينا القدرة على فهم جميع آيات القرءان وعلى التمييز الكامل بين الخير والشر، بهدف طهارة أنفسنا وامتناعنا عن فعل السيّئات بفعل الحسنات وبتطبيق ما أمرنا الله تعالى في كل آية من آياته الكريمة.

لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ‌" دليلاً لنا على أنَّ الصِيام كان يُقام في عهد الرسول محمد عليه السلام في المساجِد (لأنَّ المساجد هي البيوت الّي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها إسمُهُ أي كتابُهُ)، ودليلاً لنا على أنَّ المساجد كان يعمرها نِساءٌ مؤمنات ورجالٌ مؤمنين بهدف الصيام بتعلم القرءان، أي بهدف الأكل والشرب من القرءان من دون إسراف، وإنَّ عدم الإسراف لا يكون إلاّ بإطعام المساكين والمحتاجين.

لقد كان المؤمنون في زمن الرسول محمد (عليه السلام) يذهبون إلى المساجد (بيوت الله تعالى) ويأكلون ويشربون ويُطعِمون المساكين والمحتاجين في أوقات استطاعتِهم من النهار، من الفجر إلى الَّيل، لذلك قال تعالى في الآية الكريمة (١٨٧) وذلك بعد أن أحلَّ لهم الرَّفَثَ إلى نِسائِهم "ولا تُباشِروهُنَّ وأنتم عاكِفونَ في المساجد" (أي لا تعاشروا أزواجكم وتلتهوا عن عمل الخير) ولكن فقط في الَّيل بعد إنتهاء صيامكم ورجوعكم إلى منازلكم.

إذًا فالصيام كان يُقام في المساجد، والّذين كانوا يعكفون في المساجد كانوا المؤمنين وأزواجهم، هذه الآية تدلُّنا بل تؤكِّد لنا أنَّ الإختلاط بين النساء والرجال في زمن الرسول كان مُباحًا، لقد كان مسموحًا للرجال الإختلاط بالنساء في المساجد في زمن الرَّسول محمد عليه السلام، في سبيل تعلمّ القرءان، والأكل والشرب وإطعام المساكين وإقامة الإحسان، بهدف طهارة النفس وفعل الخَير، تمامًا كما قال سُبحانهُ وتعالى لنا في الآيات التالية من سورة الإسراء والأعراف.

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩).

إنَّ مبدأ ومفهوم الصيام وأوقاته في آية (١٨٧) من سورة البقرة له نفس مبدأ ومفهوم الصلواة وأوقاتها في آية (٧٨) و(٧٩) من سورة الإسراء:
"أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌..." = "... وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌...".

إذًا فنحنُ نُقيم الصلواة لأنفسنا بالصيام.

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٍ وَڪُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْ‌ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (٣١) قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِ‌ قُلۡ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةً يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ كَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ (٣٢) قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلۡفَوَحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡہَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡىَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (٣٣).

إذا تمعَّنا في تلك الآيات البيِّنات من سورة الأعراف نجد أنَّ زينة الإنسان هي زينة الله الّتي أخرجها لعبادِهِ من الأرض بقوله تعالى: "قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِ..."، وهي أيضًا الطيِّبات من الرزق بقوله تعالى: "... وَٱلطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِ‌...".

إذًا فزينة المؤمن هي ماله أو رزقه الّذي رزقه الله تعالى إيَّاه بمعناه الظاهر والباطن، وهي ليست ظهوره بالثِّياب الجميلة الفاخرة في المساجد والتَّكَبُّر بِها على المساكين والمحتاجين كما يقول جهلاء الدين في تفاسيرهم الباطلة، لقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم بأنَّ المال والبنون زينة الحياة الدنيا وأنَّها زينة سلبية وليست إيجابية كما يظن أكثر الناس، وأخبرنا أيضًا أنَّهُ هو الّذي يرزقنا المال والطَّيَّبات من الرزق لكي نأكل ونُطعِمُ المساكين. إذًا فالزينة لا يصُحُّ استخدامها إلاّ بهدف إعطائها للمساكين أو بهدف استخدامها في سبيل الخير والإصلاح، وإلاَّ تُصبح هذه الزينة "زينة الحياة الدُّنيا" كالمال والبنون، فيكون بذلك استخدامها مُخالِفًا لِما أراده الله عزَّ وجلّ لنا بِإعطائنا إيّاها.

نجد في آية (٣١) أنَّ الله تعالى يأمرنا (بني آدم) بأن نأخذ زينتنا، أي طعامنا وشرابنا (ظاهرًا وباطنًا) عند كل مسجد لكي نُطعم به المساكين، ولذلك أكمل تعالى تلك الآية بآية (٣٢) بأن يسألنا من خلالها: "من يملك الحق في تحَريِم الطعام والشراب والرزق الطيِّب على المساكين وهو الّذي يرزقنا إياه؟"، وأكمل أيضًا بقوله: "بِأنَّ كل مؤمن يُطعِمُ المساكين في المساجد في الحياة الدنيا سوف يطعمه الله يوم القيامة في الجنة من رزقها الخالص الطاهر". لذلك أمرنا الله تعالى أن نأكل ونشرب ونطعم المحتاجين من دون أن نسرف في أكلنا، لأنَّ الإسراف يكون عندما نَطْعَمْ ولا نُطْعِمْ، أي عندما نأخذ الرزق الّذي رزقنا الله تعالى إياه فقط لِأنفسنا ولا نعطيه للمساكين، فنكون بذلك نُحرِّمُهُ على غيرنا، هنا يحثُّنا الله تعالى على المشاركة في الرزق، فهو رزق الله وليس رزقنا ولذلك لا يحق لنا امتلاكه لأنفسنا (إحتكار خيرات الله جلَّ في علاه) حتى لا نكون من المسرفين.

إذًا، بعد تدبرنا لآية (٣١) وربطها بالآيات الّتي تليها، نجد أنَّ الله تعالى يأمرنا ويحُثُنا على أخذ زينتنا، أي مالنا وأكلنا وشربنا (بالمعنى الظاهر والباطن للزينة) عند كل مسجد، أي عند كل بيت أو مكان يُقام أو يُرفع في سبيل الله ويُسجد فيه لهُ بذكر إسمِهِ، بهدف أن نأكل ونشرب ولا نُسرف، أي بهدف أن نصوم ونفدي بإطعام مِسكين، أي بهدف أن نأكُل ونشرب ونُطعِم المسكين والمُحتاج (مادِّيًا ومعنويًّا)، ولذلك أكمل تعالى بقوله في آية (٣٢):

"قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِ‌ قُلۡ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةً يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ كَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ"، وأكمل أيضًا بقوله في آية (٣٣): "قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلۡفَوَحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡہَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡىَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ".

ونحن إذا قارنا تلك الآيات من سورة الأعراف بآية (١٨٧) من سورة البقرة، نجد أنَّ الصِّيام يُقام في المساجد، وأنَّهُ ليس الإمتناع عن الأكل والشرب، ولكنَّهُ يُقام بالأكل والشرب ولكن من دون إسراف.

الإسراف هو من فعل سَرَفَ، وسرفَ في الأمر يعني أغفلهُ وجهِلهُ وأخطأهُ، وأسرف في الأمر يعني أخطأ وجهِلَ وغفلَ، والسَرَفْ هو الخطأ والجهل والغفل. ورجُلٌ سرِفُ الفؤاد يعني غافِل. ورجُلٌ سرِفُ العقل يعني فاسِدُهُ أو قليلُهُ، وأسرَفَ المال يعني بذَّرَهُ، وأسرَفَ في كذا يعني تجاوزَ الحد والإعتدال، والسَّرَف هو تجاوز الحد والإعتدال.

من خلال مُقارنة آيات سورة الأعراف بآية (١٨٧) من سورة البقرة، أستطيع أن أقول أنَّ الصيام هو الإمتناع عن السيِّئات والذنوب والمعاصي، وأنَّهُ لا يكون إلاَّ بأكلنا وشربنا من القرءان حتّى يتبيَّن لنا الفرق بين الحق والباطل لكي نتوب عن الإسراف الّذي هو إرتكابنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق والإشراك والكفر بالله، بهدف أن نقيم الإصلاح في هذه الأرض.

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَإِذۡ أَوۡحَيۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِيِّـۧنَ أَنۡ ءَامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَٱشۡہَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ (١١١) إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَـٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآٮِٕدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ‌ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن ڪُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (١١٢) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡڪُلَ مِنۡہَا وَتَطۡمَٮِٕنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡہَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآٮِٕدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ‌ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡ‌ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّىٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابًا لَّآ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١١٥).

سورة المآئِدة = سورة الإنجيل.
المآئِدة = الإنجيل.
تنزيل المآئِدة من السمآء = تنزيل الإنجيل وحيًا من السمآء.
كلمة عيد تعني "ذِكرى أو تذكرة"، والعيد = الذكر.

المائِدة هي الإنجيل الّذي أنزله الله عزَّ وجلّ من السماءِ وحيًا على الحواريّين، لكي يأكلوا منه فيصوموا به ويمتنعوا عن فعل الشر فيحيون به، وتطمئن قلوبهم ويعلموا أنَّ عيسى ابن مريم قد صدقهم ويكونوا عليه من الشاهدين، أي يكونوا من الّذين يشهدون على عيسى الإنجيل أمام جميع الناس بتبليغه وبالعمل به.

في آية (١١٢) و(١١٣) طلب الحواريّون من عيسى ابن مريم أن يسأل ربَّهُ "أن يُنزِّلَ عليهم مآئِدةً من السمآء" بهدف أن يأكُلوا منها، حتى تطمئِنَّ بها قُلوبهم، وحتى يعلموا أنَّ عيسى قد صدقهُم، أي حتى يعلموا أنَّ عيسى ابن مريم هو كلمة الله، أي هو الإنجيل ورسولٌ مِنهُ، وحتى يكونوا عليها من الشاهدين، أي حتى يشهدوا على هذه المآئدة.

لقد طلب الحواريّون من عيسى ابن مريم عليه السلام أن يطلب من الله أن يُنزِّلَ عليهِم الإنجيل من السماءِ وحيًا، أي أن يوحي لهُم الإنجيل حتى يأكُلوا منهُ أي يتبِعوهُ، وحتى يطمئِنوا ويُصدِّقوا أنَّ عيسى عليه السلام هو الإنجيل وأنَّهُ رسول الله إليهم، وحتى يكونوا من الشاهدين على هذا الإنجيل فيكتبوهُ ويشهدوا عليه ويُقيمونهُ بين الناس.

في آية (١١٤) استجاب عيسىى عليه السلام لهم ودعا الله بأن يُنزِّلَ عليهم مآئِدةً من السمآء أي إنجيلاً أو وحيًا من السمآء يكون عيدًا لأوَّلِهِم وآخِرِهِم، هذا يعني أنَّ عيسى عليه السلام طلب من الله أن يُنزِّلَ عليهم وحيًا من السمآء يكون ذكرى لأوَّلِهِم وآخِرِهِمْ، يكون ذكرى لهم ولقومهم ولِمن سوف يأتي بعدهم، وآيةً منهُ، أي كتابًا ورزقًا منه. تمامًا كما قال تعالى في سورة الأنبياء:

* سُوۡرَةُ الاٴنبیَاء
أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةً قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَـٰنَكُمۡ‌ هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِىَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِى‌ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّ‌ فَهُم مُّعۡرِضُونَ (٢٤).

في آية (١١٥) استجاب الله تعالى لطلب عيسى والحواريّين بأن يُنزِّلَ عليهم المآئِدة أو الإنجيل أو الوحي أو الكتاب، ولقد أوحى الله تعالى إليهم الإنجيل، كما بيَّن تعالى هذا بقوله في آية (١١١): "وَإِذۡ أَوۡحَيۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِيِّـۧنَ..."، وأمرهم من خلال وحي الإنجيل بالإيمان بكل آية من آياتِهِ وبرسولِهِ عيسى ابن مريم، بقوله لهم فيها: "... أَنۡ ءَامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى...". ولكنه أنذرهم في آية (١١٥) أنهم إذا عادوا إلى الكُفر والإشراك مرة ثانية بتحريف الإنجيل أو الكتاب من بعد أن هداهُم ومن بعد أن أوحاهُ إليهم، فسوف يُعذِّبُهُم في الآخرة عذابًا لا يُعذِّبُهُ أحدًا من العالمين.

فاستجاب الحواريّون في ذلك الوقت لله في آية (١١١) وقالوا: "... ءَامَنَّا وَٱشۡہَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ"، أي شهِدوا بالإيمان بالله والإصلاح والعدل والبر والتقوى والخير والإحسان كما أمرهم الله تعالى في وحي الإنجيل الّذي أوحاه إليهم، وهذا يعني أنهم أكلوا من الطيبات في الدنيا، أي ءامنوا بالله وأقاموا الإنجيل وعملوا صالحًا، وسوف يأكلون من الطيِّبات في الآخرة، تمامًا كما قال تعالى في آية (٥١) من سورة المؤمنون، وفي آية (٣٢) من سورة الأعراف:

* سُوۡرَةُ المؤمنون
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَـٰلِحًا‌ إِنِّى بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١).

* سورة الأعراف
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾.

* سُوۡرَةُ المؤمنون
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَـٰلِحًا‌ إِنِّى بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّڪُمۡ فَٱتَّقُونِ (٥٢).

الأكل من الطيبات هو الأكل من كُتُبِ الله ورسالآتِهِ، لأنَّ كتب الله تُحيي الإنسان الميِّت كما قال تعالى لنا في آية (١٢٢) من سورة الأنعام.

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١١٨) وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡڪُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ‌ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهۡوَآٮِٕهِم بِغَيۡرِ عِلۡمٍ‌ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِينَ (١١٩) وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ (١٢٠) وَلَا تَأۡڪُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُ لَفِسۡقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآٮِٕهِمۡ لِيُجَـٰدِلُوكُمۡ‌ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ (١٢١) أَوَمَن كَانَ مَيۡتًا فَأَحۡيَيۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُ نُورًا يَمۡشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٍ مِّنۡہَا‌ كَذَالِكَ زُيِّنَ لِلۡكَـٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١٢٢).

نجد في تلك الآيات البيِّنات أنَّ الله عزَّ وجلّ يأمرنا أن نصوم بأن نأكل "مِمّا ذُكِرَ اسمُهُ عليه"، وإنَّ إسم الله هو علمه الّذي وضعه لنا في آياته، وإنَّ كل آية من آيات القرءان هي إسم من أسماء الله، أي علم من علومه، كما بيَّنتُ لكم في حلقات ومقالات عن موضوع: ما هي حقيقة أسماء الله الحسنى في القرءان؟

في تلك الآيات البيِّنات يريد الله عزَّ وجلّ أن يحثُّنا على الصيام بالأكل مِمّا أحلَّهُ لنا في كتابه بعد أن فصَّلَ لنا ما حرَّمهُ علينا، لقد أمرنا تعالى أن نأكل مِن علمِهِ الّذي ذكره لنا وأحلَّهُ في آياتِهِ، وإنَّ ما أحلَّهُ تعالى لنا هو اتّباع دينه وقانونه وشريعته وسَّنته الّتي وضعها لنا في القرءان والّتي تأمرنا باتّباع طريق الحق (طريق الله) والابتعاد عن طريق الباطل (الشيطان والأديان المُشركة)، بفعل الحسنات وبالابتعاد عن السيِّئات.

وإنَّ ما حرَّمه علينا وأرادنا أن نصوم عنهُ هو الكفر والإشراك به، أي هو اتّباع أديان وقوانين وشرائع وسُنن لم يُنزل تعالى بها من سلطان، لأنها تأمرنا باتّباع طريق الباطل (الشيطان والأديان الباطلة) والابتعاد عن طريق الحق (الله جل وعلا) بفعل السيِّئات والابتعاد عن الحسنات، إذًا فإنَّ "الّذي لم يُذكر إسم الله عليه" هو جميع الأديان الباطلة الّتي لم يذكر الله تعالى إسمُهُ، أي علمه عليها، أي لم يسمح بها ولم يضع لنا علمها في القرءان، وهي جميع الأديان الباطلة الّتي كانت وما زالت موجودة في هذه الأرض والّتي لم يُعطينا الله تعالى إسمها، أي علمها في القرءان. ولذلك أكمل تعالى بتلك الآيات البينات بقوله فيها:

"وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡڪُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ‌ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهۡوَآٮِٕهِم بِغَيۡرِ عِلۡمٍ‌ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِينَ. وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ. وَلَا تَأۡڪُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُ لَفِسۡقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآٮِٕهِمۡ لِيُجَـٰدِلُوكُمۡ‌ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ أَوَمَن كَانَ مَيۡتًا فَأَحۡيَيۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُ نُورًا يَمۡشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٍ مِّنۡہَا‌ كَذَالِكَ زُيِّنَ لِلۡكَـٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ".

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡڪِتَـٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَڪَفَّرۡنَا عَنۡہُمۡ سَيِّـَٔاتِہِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ (٦٥) وَلَوۡ أَنَّہُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَٮٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡہِم مِّن رَّبِّہِمۡ لَأَڪَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِم‌ مِّنۡہُمۡ أُمَّةٌ مُّقۡتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنۡہُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ (٦٦).

"... لَأَڪَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِم‌...": أي لأكلوا من حيثُ شآءووا رغدًا من خيرات الجنة، أي لكانوا عاشوا حياةً مليئة بالخير والسلام والهناء والنعيم جسديًّا ونفسيًّا في جنات النعيم، الأكل في هذه الآية هو كناية عن النعيم وعن العيش بهناء وسلام وأمان ماديًّا ومعنويًّا.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
ثُمَّ بَعَثۡنَـٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡڪُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ‌ كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ‌ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (٥٧).

لقد بعث الله عزَّ وجلّ بني إسرائيل بعد أن ماتوا، أي من بعد أن ضلّوا عن سبيله، فأحياهم بإرساله الغمام، أي الملآئكة مرَّة أخرى عليهم بالمن والسلوى، أي بوحي آيات الله لكي يأكلوا منها فيهتدوا ويُصبحوا أحيآءً بعد أن كانوا أمواتًا.

* سُوۡرَةُ طٰه
يَـٰبَنِىٓ إِسۡرَآٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَـٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَاعَدۡنَـٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ (٨٠) كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِى‌ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِى فَقَدۡ هَوَىٰ (٨١) وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ (٨٢).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَڪُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدًا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰيَـٰكُمۡ‌ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلاً غَيۡرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ (٥٩).

إنَّ قول الله تعالى لبني إسرائيل في آية (٥٨): "... فَڪُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدًا..." هو أمرٌ منه تعالى وحثٌ لبني إسرائيل على أن يعيشوا في هذا المكان (هذه القرية) من خلال قانون الله ودينه بسلام وأمان وهناء وخير وإحسان ونعيم وتقوى ومحبة وبر وعدل، لكي يُصلِحوا بدلاً من أن يُفسِدوا، ولذلك أكمل تعالى بقوله لهم: "... وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰيَـٰكُمۡ‌ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ"، ولكنَّ بني إسرائيل بدَّلوا قولاً غير الّذي قيل لهم، أي بدّلوا قول الله الّذي قاله لهم في الكتاب الّذي أنزلهُ تعالى عليهم وأحلَّهُ لهم وأمرهم به بقولٍ آخر لم يقُلهُ الله لهم في كتابِهِ. وهذا يعني أنهم بدَّلوا دين الله الإسلام الّذي هو دين الإيمان بالله والعمل الصالح بدين آخر باطل لم يُنزل الله تعالى به من سلطان، ففسقوا عن أمر الله فأصبحوا من الظالمين.

وبدلاً من أن يدخلوا باب هذه القرية سُجَّدًا، أي بتواضع وسلام ومحبة وخير وإحسان، وبدلاً من أن يُقيموا دين الله العدل، أقاموا دينهم الباطل دين الطاغوت الّذي يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي، فظلموا وسفكوا الدماء وفسقوا وتكبروا وسيطروا على أهل هذه القرية، وبدلاً من أن يُقيموا فيها الإصلاح، عثوا فيها الفساد.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَ‌ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنًا قَدۡ عَلِمَ ڪُلُّ أُنَاسٍ مَّشۡرَبَهُمۡ‌ ڪُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ (٦٠).

"... فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَ‌"...: عصا موسى هي كناية عن الصُحُف الّتي أنزلها الله تعالى عليه "... فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنًا...": العين هي كناية عن دينهم الصحيح الّذي أنزله الله تعالى على أمّتهم في السابق وحفظهُ في التوراة لأنه حُرِّف من  قبل ءابآئهم، وعلى كل أمّة أن تشرب من دينها الصحيح الّذي أعاد الله تعالى تنزيله لموسى بهدف أن يهدي بِهِ إثنتا عشرة أمة مُختلفة في دينها. لذلك قال تعالى: "... فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنًا..."، أي ظهرت منهُ إثنتا عشرةَ أُمَّة "... قَدۡ عَلِمَ ڪُلُّ أُنَاسٍ مَّشۡرَبَهُمۡ‌..."، وهذا يعني أنَّ كل أمَّة علمت مشربها، أي علمت المكان الّذي عليها أن تشرب منه، أي كل أمّة من قوم موسى كانت تؤمن بدين باطل، علمت عندما استسقى موسى لها، ما هي رسالتها الصحيحة الّتي عليها أن تشرب وتغتسل منها لكي تُطهِّرَ نفسها بها، وهذه الرسالة أنزلها الله تعالى عليها في السابق وحفظها في توراة وصُحُف موسى من بعد أن حُرِّفت.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلۡأَرۡضِ حَلَـٰلاً طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيۡطَـٰنِ‌ إِنَّهُ لَكُمۡ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (١٦٩) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ‌ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـًٔا وَلَا يَهۡتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡىٌ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ (١٧١) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ڪُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن ڪُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡڪُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ‌ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ‌ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٧٣) إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِيلاً‌ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِى بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُڪَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ وَلَا يُزَڪِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِ‌ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ (١٧٥) ذَالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡڪِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ‌ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ لَفِى شِقَاقِۭ بَعِيدٍ (١٧٦).

إذا تدبّرنا جميع تلك الآيات البينات من آية (١٦٨) إلى (١٧٦) في سورة البقرة وضربناها ببعضِها، نجد بأنَّ الأكل مِما في الأرض حلالاً طيِّبًا في آية (١٦٨) والأكل من طيّباتِ ما رزقنا الله في آية (١٧٢): هو الأكل من جميع ما رزقنا الله تعالى من خيرات ونِعم في هذه الأرض ظاهرةً وباطِنةً، وهو كناية عن الأكل من آيات الله وكُتُبِهِ الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وحفظها في القرءان، لأنَّ القرءان هو الّذي يُعطينا من خلال آياتِهِ البيِّنات هذا المعنى الظاهر والباطن لِجميع ما خلقه تعالى لنا ورزقنا إيّاهُ في هذه الأرض. وهو الصيام، أي الإمتناع عن اتّباع خطوات الشيطان، وهو الإمتناع عن إشراك دين ءابآءنا بدين الله، وهو الإمتناع عن الكفر بالله، وهو الإمتناع عن الأكل والشرب من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهِلَّ بِهِ لغير الله، يعني الإمتناع عن الأكل والشرب من أحاديث وأقاويل وكُتُب الأحبار والرهبان وأئِمة الكفر والضلالة وعلماء الدين وعلماء غير علماء الدين وجميع الكُتُب والعلوم والأقاويل الّتي اُهِلَّت لغير الله (اُقيمت لغير الله)، يعني الإمتناع عن الأكل والشرب من الأديان الباطلة كالدين المسيحي واليهودي والسُّني والشيعي والزردشتي والبوذي وغيرها من الأديان الأرضية الباطلة، وهو الإمتناع عن كتمان ما أنزل الله تعالى لنا من الكتاب، وهو الإمتناع عن الاختلافات والتفرقة في كتاب الله ودينه بصناعة أديان باطلة.

* سُوۡرَةُ صٓ
وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيۡطَـٰنُ بِنُصۡبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَ‌ هَـٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢).

الشيطان الّذي مسَّ أيوب هو اتّباع أيوب طريق الشر وارتكابه الذنوب والمعاصي، ولذلك عندما نادى أيوب عليه السلام ربَّهُ ولجأ إليه لكي يُخلِّصهُ من النُصُب والعذاب، أي من مرضه النفسي الّذي كان يُعاني منه بسبب اتّباعه لخطوات الشيطان، استجاب الله له واصطفاهُ وجعله نبِيًّا وهداهُ إلى صراطِهِ المُستقيم بالوحي الّذي أوحاهُ إليه والّذي أنزله عليه وأمرهُ أن يقصُدهُ فيغتسِل ويشرب منه بقولِهِ له في آية (٤٢): "ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَ‌ هَـٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" إذًا لقد كان صِيام أيوب هو إمتناعه عن الذنوب والمعاصي بواسطة اغتسالِهِ وشربِهِ من كتاب الله الّذي أوحاهُ إليه وأنزله عليه لكي يُطهِّرهُ بِهِ فيتوب.

إنَّ أمر الله تعالى لأيوب عليه السلام في آية (٤٢) بالشرب من كتابِهِ بقوله له: "هذا مُغتسلٌ بارِدٌ وشرابٌ"، هو من أجل أن يريه طريق الحق فيُبعده عن طريق الباطل (الشيطان)، هذا يدلّنا على أنَّ أمر الله تعالى لنا بالأكل والشرب في آية (١٨٧) من سورة البقرة بقوله لنا: "وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌..."، هو أمرٌ بأن نأكل ونشرب من القرءان لكي نستطيع أن نفرق بين الحق والباطل، فنصوم ونمتنع عن طريق الباطل (الشيطان)، ونّتبع طريق الحق (الله)، إذًا فالصيام، أي الإمساك عن طريق الشر لا يكون إلاّ بالأكل والشرب من كتاب الله.

* سُوۡرَةُ المَائدة
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْ‌ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ (٨٧) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّبًا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ (٨٨) لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِىٓ أَيۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُڪُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَـٰنَ‌ فَكَفَّـٰرَتُهُ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ ذَالِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَـٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡ‌ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَـٰنَكُمۡ‌ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٨٩).

نجد من خلال تلك الآيات البيِّنات أنَّ الصيام هو امتناعنا عن تحريم طيِّبات أحلَّها الله لنا ظاهرةً وباطنةً، أي هو امتناعنا عن تحريم رزق الله وكتبه ورسالاته على المساكين والمحتاجين، الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ حتى يُحِلَّها لنا، والصيام هو الأكل من الحلال الطيِّب الّذي أحلَّهُ تعالى لنا، أي هو الأكل من كُتُبِ الله أي من رزقِهِ الحلال، والصيام هو كفّارة عن ذنوب الإنسان الّتي كان يقوم بها سابقًا قبل دخولِهِ في دين الله، وكفّارة عن كفره وإشراكِهِ بالله، أي هو كفّارة عن أكلِهِ ممّا حرَّمهُ الله تعالى عليه (الأديان الباطلة).

ولذلك عندما دخل في دين الله، وجب عليه أن يصوم، أي أن يمتنع عن دينه الباطل فيُكفِّر عن ذنبِهِ بالأكل من دين الله من خلال أعمال البر والإحسان والتقوى الّتي أمره بها الله والّتي هي الحلال الطيِّب، فيكون بذلك يفدي مسكين بنفسه، وبالتالي يفدي نفسه من عذاب جهنم، بالتوبة والإمتناع عن فعل السيِّئات الّتي قام بها في السابق، وهذا الفداء يكون بإطعام مسكين، وهو بمثابة كفّارة له عمّا تقدَّم من ذنبِهِ وعمّا تأخَّرْ، فيُدخل نفسه بذلك الجنة، وإنَّ كفّارة أيماننا (عهدنا) إذا حلفنا (إذا عاهدنا الله) هي تكفير لنا عن ذنوبنا في حال نكثنا عهدنا الّذي عاهدنا الله تعالى عليه في اتّباع كتابه وقانونه، ومن ثُمَّ ندمنا ورجعنا عن خطئِنا، وهذا التكفير عن الذنب يكون من خلال عمل الخير والإحسان.

إذًا نحنُ نستطيع أن نفدي أنفسنا بصيامنا فنُبدّل سيِّئاتنا إلى حسنات فيغفر الله تعالى لنا ويُدخلنا الجنة، ونحن لسنا بحاجة إلى المسيح لكي يفدينا بنفسه بإهدار دمِهِ على الصليب فدآءً لنا لكي يأخذ خطايانا ويُدخلنا الجنة في الآخرة، ولسنا بحاجة إلى محمد أو غيره لِكَيْ يحمل خطايانا في الآخرة فيشفع لنا ويُدخلنا الجنة ويُخلِّصنا من عذاب جهنم.

* سُوۡرَةُ الحِجر
رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ (٢) ذَرۡهُمۡ يَأۡڪُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُ‌ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ (٣) وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعۡلُومٌ (٤) مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ (٥).

لقد رفض الّذين كفروا أن يأكلوا من دين الله الحق، لأنهم أرادوا أن يأكلوا من دينهم الباطل ويتمتَّعوا من خيرات هذا الدين، وكان الأمل (دينهم الباطل) يُلهِهِم، لأنَّهُ كان يُأمِّلهم بالشفاعة والخلاص ودخولهم الجنة مهما فعلوا من ذنوب ومعاصي، أي كان دينهم يُأملهم بدخول الجنة حتى ولو لم يصوموا (الصيام الصحيح) ويُطهِّروا أنفسهم ويتوبوا ويمتنعوا عن فعل السيِّئات بفعلهم للحسنات، ولذلك قال الله تعالى لمحمد عليه السلام: "رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ، ذَرۡهُمۡ يَأۡڪُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُ‌ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ، وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعۡلُومٌ، مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ".

إذًا وبعد جميع تلك الآيات البيِّنات الّتي ذكرتها لكم، أستطيع أن أعطي تعريفًا للصيام:
الصيام هو أن نأكل ونشرب من القرءان ونداوم على ذلك، حتّى يتبيَّنَ لنا الفرق بين الحق والباطل٫أي بين الخير والشر، بهدف أن نتَّقي الله، فنمتنع عن فعل الذنوب والمعاصي ونقيم الخير والإصلاح، فنُصبح من الّذين تابوا وآمنوا وعملوا صالحًا ثُمَّ اهتدوا، فيغفر الله تعالى لنا ذنوبنا.

* سُوۡرَةُ طٰه
كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِى‌ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِى فَقَدۡ هَوَىٰ (٨١) وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ (٨٢).

للأسف، لا يوجد الآن في زمننا الحالي مساجد يذكر فيها إسم الله نستطيع أن نلجأ إليها لتعلم القرءان.

أمّا بالنسبة للمريض أو للّذي على سفر أو للّذي لا يُطيقه (الفقير والمسكين)، فهو لا يستطيع الصِيام لأنَّهُ ليس لديه القدرة عليه بعد، أي ليس لديه القدرة والفرصة لتعلم القرءان أو لِإطعام مِسكين أو لِتبليغ رِسالة القرءان، بمعنى أشمَل، إنَّ المريض أو الّذي على سفر أو الّذي لا يُطيقُهُ (كالفقير مثلاً)، لم يجهز بعد لإقامة وتطبيق الصيام، لذلك أعطاهُ الله تعالى الفرصة للصيام (للتوبة والامتناع عن السيِّئات بالرجوع إلى القرءان وبِتطبيقه بفعل الخير) في أيامٍ أُخَرْ، أي في وقتٍ آخر، أو حين يحينُ الوقت المُناسب له للصِيام.

في الختام أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يأكلون ويشربون فقط من مائدته، والسلام على من اتَّبع الهدى.

 

239 May 24 2017