- 36488 reads
ما هو مفهوم الأسحار الّذي ورد في القرءان الكريم؟
وما هو الهدف الحقيقي من الأكل والشرب وقت الأسحار في القرءان؟
أهدي مقالتي هذه إلى جميع المؤمنين والمؤمنات بكتاب الله العظيم.
السلام على المستغفرين بالأسحار.
إخوتي وأخواتي الكرام، إذا بحثنا في جميع آيات القرءان الكريم وخاصَّة في جميع آيات الصيام فلا نجد فيها كلمة سحور أو تسحُّر، ولا نجد فيها أي شيء له علاقة بإقامة هذا النوع من السحور المزعوم، ولكننا نجد فيه كلمة إسحار (أتت بصيغة الجمع) وردت في آية (١٧) من سورة آل عمران وفي آية (١٨) من سورة الذاريات، ونجد فيه كلمة سَحَرْ وردت في آية (٣٤) من سورة القمر.
* سُوۡرَةُ القَمَر
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡہِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ نَّجَّيۡنَـٰهُم بِسَحَرٍ (٣٤).
"... إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ نَّجَّيۡنَـٰهُم بِسَحَرٍ": السَحَرْ هو الّيل، لقد نجّى الله عزَّ وجلّ لوط عليه السلام وأهله (إلاَّ امرأتَهُ)، عندما أخرجهم بِسَحَرٍ، أي وقت الّيْل من قريتِهِم الّتي كانت تفعل الخبآئِث، لأنَّهُ تعالى أراد أن يُرسِلَ على هذه القرية حاصبًا في وقت الصُبح لتعذيبهم، تمامًا كما قال تعالى للوط عليه السلام بواسطة رُسُلِهِ الملآئكة، في سورة هود والحجر:
* سُوۡرَةُ هُود
قَالُواْ يَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٍ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنڪُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُہَا مَآ أَصَابَہُمۡ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٍ (٨١).
* سُوۡرَةُ الحِجر
فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٍ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَـٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَالِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٌ مُّصۡبِحِينَ (٦٦).
إذًا نستطيع من خلال آيات سورة القمر وهود والحجر، أن نُعرِّف معنى كلمة "سَحَرْ": "السَحَرْ" هو "قِطْعٌ من الّيْل"، وقتٌ من الّيْل، وجمعُهُ "أسحار"، و"الأسحار" هي أوقاتٌ من الّيالي.
إذا تدبَّرنا آيات سورة آل عمران والذاريات، وإذا أردنا أن نأخذ بعين الإعتبار السحور الّذي يُقيمه أكثر الناس في الّيْل وكيفية إقامته، فسوف نجد من خلال ذلك ما هو المُراد بِهِ من الأكل والشرب في الّيْل وما هو سببه، وسوف نتوصل بذلك إلى مفهوم الأكل والشرب في الّيْل، وبالتالي إلى إثبات ما ذكرتُ لكم سابقًا، وبالتالي إلى حقيقة الصيام.
أرجوا منكم أن تتابعوا الآيات التالية من سورة آل عمران والذاريات:
* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ ذَالِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ (١٤) قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ مِّن ذالِڪُمۡ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (١٥) ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٦) ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَـٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ (١٧).
* سُوۡرَةُ الذّاریَات
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ (١٥) ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَٮٰهُمۡ رَبُّہُمۡ إِنَّہُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَالِكَ مُحۡسِنِينَ (١٦) كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَہۡجَعُونَ (١٧) وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (١٨) وَفِىٓ أَمۡوَالِهِمۡ حَقٌّ لِّلسَّآٮِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (١٩).
إذا تدبَّرنا تلك الآيات البيِّنات من سورة آل عمران، نجد في آية (١٧) قول الله تعالى: "... وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ"، من هُمُ المُستغفرين في الأسحار؟ هم الّذين اتقوا بقول الله تعالى في آية (١٥): "... لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ..."، وهُم الّذين ذكرهم الله تعالى في آية (١٧) بقوله عنهم: "ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَـٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ...".
إذًا وقت السحور أو أوقات الإسحار هي أوقات من الّيْل، وهي سهر المؤمن في الّيْل، والهدف من قيامها هو الإستغفار لله، والإستغفار لله لا يكون إلاَّ بقراءة وتدبرّ القرءان الكريم، إذًا نستطيع أن نفهم وبكل وضوح أنَّ أوقات الأسحار هي الأوقات الّيليّة الّتي يستخدمها المؤمن للتقرُّب إلى الله، أي هي قيام المؤمن الّيْل (السَحَرْ) لتعلم وتدبرّ القرءان. بمعنى أصح، الإسحار بلغة القرءان هو السحور بلغة العامة، وهو الوقت من الّيْل الّذي فيه يأكل المؤمن ويشرب من كتاب الله، فيكون بذلك قد أتمَّ الصيام إلى الّيْل، كما قال تعالى في آية (١٨٧) من سورة البقرة: "... ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ...". هذا هو المعنى الحقيقي للسحور والمغزى الحقيقي منهُ.
وإذا تدبَّرنا آيات سورة الذاريات، نجد أنَّ استغفار المؤمنين المُتَّقين في الأسحار وسهرهم الّيالي وامتناعهم عن النوم أدّى بهم إلى فعل الإحسان وإعطاء السائل والمحروم حقه في أموالهم (فدية إطعام مسكين)، إذًا فإنَّ سهر المؤمن في الّيْل واستغفاره في الأسحار يكون بهدف الأكل والشرب من آيات الله لإتمام الصيام.
هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا في آيات كثيرة في القرءان، سوف أذكر بعضًا منها:
* سُوۡرَةُ المُزمّل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (١) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِّصۡفَهُ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلاً (٣) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلۡقِى عَلَيۡكَ قَوۡلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِىَ أَشَدُّ وَطۡـًٔا وَأَقۡوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحًا طَوِيلاً (٧) ......... (١٩) إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآٮِٕفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّہَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرًا وَأَعۡظَمَ أَجۡرًا وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمُۢ (٢٠).
* سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩).
* سُوۡرَةُ السَّجدَة
إِنَّمَا يُؤۡمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُڪِّرُواْ بِہَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّہُمۡ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ يُنفِقُونَ (١٦).
* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
لَيۡسُواْ سَوَآءً مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآٮِٕمَةٌ يَتۡلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ (١١٣) يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡخَيۡرَاتِ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ فَلَن يُڪۡفَرُوهُ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (١١٥).
نجد في تلك الآيات البينات أنَّ تلاوة آيات الله ءانآء الّيْل هو الأكل والشرب، أي الإستغفار في الأسحار، ونجد أنَّهُ يؤدّي بنا إلى فعل الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وطهارة النفس من الذنوب والمعاصي، وهذا هو الهدف الأول والأخير من الأكل والشرب في الأسحار، وهذا هو الهدف من صيام المؤمن بالقرءان في الّيْل.
إذًا فإذا أردنا أن نتسحَّر يجب علينا أن نأكل ونشرب من كتاب الله آناء اليل بهدف الإستغفار، حتى نُطهرّ أنفسنا به، فنصوم، أي نُمسِك عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، فنتوب، فيغفر الله لنا ويُدخلنا الجنة.
أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من المستغفرين بالأسحار، والسلام عليكم.
238 May 21 2017