لماذا نصوم عن الأكل والشرب ولمن نصوم؟

 

لماذا نصوم عن الأكل والشرب ولمن نصوم؟

 

سلام الله عليكم أيَّها الصائمون والصائمات (الذين آمنوا وعملوا الصالحات).

(١): لقد تعلّمنا منذ الصِغر أنَّ الصيام هو الإمساك أو الإمتناع عن الأكل والشرب ويكون وقت طلوع الفجر إلى غروب الشمس لمدة ثلاثين يومًا في شهر رمضان، ولقد أجمع الّذين يُسمون أنفسهم بعلماء الدين الإسلامي من مختلف الأحزاب والطوائف من سِنَّة إلى شيعة إلى غيرهم من الطوائف، بأنَّ الصيام هو الإمتناع عن الأكل والشرب وهو لله، وأننا إذا صمنا عن الأكل والشرب لله فسوف نأخذ "حسنات كثيرة"، وإنَّ إمتناعنا عن الأكل والشرب يجعلنا نشعر مع الفقراء والمساكين والمحتاجين، ويجعلنا نتعامل مع بعضنا البعض في هذا الشهر بالمحبة والخير. كما تقول الأحاديث الكاذبة، منها هذا الحديث:
"قال الله عزَّ وجلّ: كل عمل بن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.

رواه البخاري الدجال ومسلم الكذاب عن أبي هريرة المُرجف.

(٢): إنَّ جميع ما يأمرنا الله عزَّ وجلّ به في القرءان الكريم هو من أجلنا وليس من أجلِهِ، وفيه مصلحة أولى وأخيرة لنا، فالله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلينا سُبحانه "هو الغني"، ولكننا نحن الّذين نحتاجه دومًا وأبدًا، لأننا نحنُ الفقراء إليهِ، كما قال تعالى لنا في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ فَاطِر
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِىُّ ٱلۡحَمِيدُ (١٥).

* سُوۡرَةُ القَصَص
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِ‌ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَا‌ قَالَتَا لَا نَسۡقِى حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُ‌ وَأَبُونَا شَيۡخٌ ڪَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَىَّ مِنۡ خَيۡرٍ فَقِيرٌ (٢٤).

فكيف بعد تلك الآيات يكون الصيام لله؟
وماذا يستفيد الله من امتناعنا عن الأكل والشرب من أجلِهِ؟
وبماذا يُفيدنا إمتناعنا عن الأكل والشرب؟
وكيف يكون هذا النوع من الصيام هو عبادة وتقوى لله؟
وكيف تكون أو تُترجم عبادتنا وتقوانا عندما نمتنع عن الأكل والشرب؟

وهل تظنون أنَّ الله عزَّ وجلّ الرّزّاق الكريم يرزقنا الأكل والشرب وبعدها يمنعه عنّا ولو لثانية أو للحظة، وهو الّذي أمرنا في آياتِهِ أن نمشي في مناكب الأرض وأن نأكل من رزقِهِ حيثُ نشآءُ رغدًا ومن دون انقطاع؟

إخوتي وأخواتي الكرام أرجوا منكم أن تقرأوا قوله تعالى في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ المُلک
هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولاً فَٱمۡشُواْ فِى مَنَاكِبِہَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦ‌ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ (١٥).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٣٥).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَڪُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدًا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰيَـٰكُمۡ‌ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (٥٨).

(٣): إذا نظرنا بواقعيَّة إلى ما نحن عليه في شهر رمضان، نجد أنّ تعاملنا مع بعضنا البعض هو أسوأ ما يكون عليه تحديدًا في هذا الشهر، فنحن خلال شهر رمضان نذمّ ونسبّ ونلعنُ بعضنا ونكْرَهُ ولا نطيقُ بعضنا ونغضب من بعضنا، وكُلُّ ذلك يحدث مِرارًا وتكرارًا في كُلَّ سنة يَأْتي فيها رمضان، فيحدث ذلك بين الأهل والأولاد، وبين الرجل وامرأته، وبين أفراد العائلة، وبين الجيران، وبين الأصحاب، وفي أماكن العمل خاصَّةً، وبين الناس عامَّةً، فلا نستطيع أن نشعر لا بأنفسنا ولا بغيرنا، فكيف إذًا سوف نشعر مع الفقراء والمساكين؟

(٤): نحن ننتظر وبفارغ الصَّبْر وقت الإفطار، وعندما يأتي نكون في كاملِ سعادتنا، كذلك نَحسب ونَعُدُّ أيام الصيام ونتمنى أن تنتهي بِأسرع وقت ممكن فنكون بذلك في قمة سعادتنا، لدرجة أننا نحتفل بعد انتهاءه مباشرةً، ونُعيِّد ثلاثة أيام ونسمي هذا العيد بعيد الفِطر (أي الإفطار) فرحًا وسرورًا بانتهاء صيامنا وبإفطارنا.

(٥): إذا نظرنا في أسعار السوق المحلية من موادٍّ غِذائِيَّة وغيرها، نجد ويا للعجب والصُّدفة بِأنَّ أسعار السِّلع الغذائِيَّة وغيرها من السِّلَع التجارية ترتفع إرتفاعًا ملحوظًا (ضعف الأسعار أو أكثر) في شهر رمضان الَّذي من المفترض أن يكون شهر بَركَة وكَرَم ورحمة، وليس شهر إسْتِغْلال وغشّْ ونقمة، يقولون كذبًا بِأنَّ الحَجّْ "عبادة وتجارة"، فهل أصبح رمضان هو أيضًا "عبادة وتجارة"؟

(٦): بعد ما ذكرته تتوقَّفُنا أسئِلَة عديدة:
إذا كان صيامنا هو فعلاً صيامٌ عن الطعام والشراب، فلماذا أكثر الناس الّذين يصومون يكون صيامهم صعب و"لا طاقة لهم بِهِ"؟
لِماذا نشعر بالسعادة بِإنتِهائِهِ؟
لِماذا نستخدم النوم وقت صِيامنا كوسيلة لِمرور الوقت؟
لِماذا نشعر بالكره والبغضاء والغضب ولا نشعر بالسعادة إلاَّ وقت الإفطار؟
لماذا لا نحب أن نذهب إلى العمل وقت صيامنا وخاصَّةً في البلدان الحارّة؟
لماذا تصيبنا أوجاع في الرأس والغثيان وأمراض أخرى؟

وكذلك تتوقفنا أسئِلَةٌ من نوعٍ آخر:
لماذا كُلُّ مسلم يعيش في بلد مختلف عن غيره عليه أن يصوم ساعات مختلفة عن غيره من المسلمين (أكثر أو أقَّل)، وهل هذا عَدل من الله؟

وماذا لو كان المسلم يعيش مثلاً في القطب الشمالي وصادف قدوم رمضان في الصيف، فهل يستطيع أن يبقى بلا طعام وبلا شراب لمدّة ٢٠ ساعة بينما غيره من المسلمين يصومون ١٠ ساعات لأنهم يعيشون مثلاً في القطب الجنوبي؟

وماذا عن المُسلِم الّذي يعيش في بلاد أقصى الشمال وفيها النهار متواصِل لمدة ٦ أشهر والّيل متواصل لمدة ٦ أشهر، فمتى سيصوم هذا المُسلِم، وكم ساعة سيصوم؟

وهل الشعور مع الفقراء والمساكين يكون بمنع أنفسنا عن الأكل والشرب لعدة ساعات من اليوم ونحن نعلم مُسبَقًا بأننا سوف نأكل في آخر النهار وقت غروب الشمس، أم أنَّهُ يكون بمساعدة وفدآء هؤلاء الفقراء والمساكين بإطعامهم؟

وهل يكون الشعور مع الفقراء والمساكين بأن نأكل في كل وجبة أصناف كثيرة وعديدة ومتنوعة من الطعام وغيرنا يتضوَّر جوعًا، أم أنَّه يكون بإطعام هؤلاء الفقراء والمساكين؟

ولماذا نأخذ أجرًا إذا فطَّرنا صائِمًا كما يقول الحديث: (من فطَّر صائما كان له مثلُ أجرِه غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا)، أليس الأولى لنا أن نُطعِم مِسكينًا؟

في الختام أدعوا الله تعالى أن يتقبلّ صيامنا الذي هو امتناعنا عن المعاصي واتّباعنا لكتاب الله جلَّ في علاه.

 

234 May 15 2017