تفسير آية (٧١) من سورة مريم من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٧١) من سورة مريم من خلال أحسن التفسير 

 

ما هو ورود النار ومن سوف يرِدها؟

أدعوا الله تعالى أن يهدي كل إنسان ظالم تاب واختار طريق الهداية، وأن يُضلّ كل إنسان ظالم لم يتب وأصرَّ أن يتَّبع طريق الضلالة.

* سورة مريم
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴿٧٦﴾.

* سورة مريم
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴿٧٥﴾.

* سورة الرعد
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٦﴾.

(١): يقولون في كتب الأحاديث الباطلة أنَّ كل إنسان مسلم سوف يرِد النار (أي سوف يدخل النار) ويتعذب فيها قليلاً، وبعدها سوف يدخل الجنة بشفاعة محمد (عليه السلام)، ويقولون أيضًا بأنَّ جميع أمّة محمد سوف ترِدِ النار، وأنَّ ورود جهنم هو ليس دخولها، ولكن زيارتها فقط، المرور عليها مرور الكرام. هذه الأحاديث الباطلة أتت من خلال تحريف السلف الطالح وأئِمّة الكُفر والضلالة لآيات في سورة مريم، على الرغم من أنّهم درسوا ما فيه وعَلِموا أنَّ الله تعالى حدّد لهم إمّا دخول الجنة وإمّا دخول جهنم، وأنَّه تعالى أخبرهم بأنَّ المؤمن لا يسمع حسيس جهنم، وأنََّّه تعالى أخبرهم أنَّ فقط الكافر هو الّذي سوف يَرِدُها.

* سورة هود
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٩٦﴾ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴿٩٧﴾ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴿٩٨﴾.

إذا كان ورود جهنم هو ليس عذاب جهنم والخلود فيها، إذًا فإنّنا نستطيع أن نقول أنَّ فرعون وملإيْه عندما يَرِدون النار كما قال تعالى في آية (٩٨)، لن يتعذَّبوا فيها، وسوف يخرجون بعدها إلى الجنة.

(٢): * سورة مريم
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴿٦٦﴾ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴿٦٧﴾ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴿٦٨﴾ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ﴿٦٩﴾ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا ﴿٧٠﴾ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾.

في آية (٦٦)، بدأ الله تعالى حديثه عن الإنسان بشكل عام ولم يُخصِّص أمّة محمد، ولقد حدَّدَ الله تعالى هذا الإنسان ووضعه في قائمة الّذين لا يؤمنون بالبعث الجسدي، وبعدها أكمل تعالى حديثه في آية (٦٨) و(٦٩) و(٧٠) عن عقابِهِ لهُم ولِشياطينهم الّذين أضلّوهم بإدخالهم جهنم، وبعد ذلك أنذرهم تعالى بورودِهِم جهنم هُمْ وشياطينهم بقوله تعالى لهم في آية (٧١): "وإن منكم إلاَّ وارِدُها كان على ربِّكَ حتمًا مقضِيًّا"، هذه الآية هِيَ الّتي حرَّفها أئِمّة الكفر والضلالة ونسبوها بالكذِب للرسول محمد عليه السلام، بحجّة أنَّهُ سوف يرِدُ النار هو أيضًا، أي سوف يدخل النار ويخرج منها، ثُمَّ يعود إلى دخولها وبعدها الخروج منها طوال الوقت لِكي يُخرِج أمته من النار إلى أن يُخرِج آخِر إنسان من أمتِّهِ فسد وظلم وعمل السيِّئات بحجّة أنه قال: "لا إله إلاَّ الله، محمد رسول الله".

والآن وبعد أن تبيَّنَ لكم من خلال تفصيل وترابط تلك الآيات البيِّنات، فبالله عليكم أخبروني: من هُمُ الّذين قال الله تعالى عنهم في آية (٧١): "وإن منكم إلاَّ واردها...

أمّا بالنسبة لقول الله تعالى في آية (٧٢): "ثمَّ نُنجّي الّذين اتقَواْ..." فهِو أكبر دليل على أنَّ الّذين اتَّقَواْ لن يدخلوا أبدًا جهنم، لأنَّ نجاة المؤمن لا تكون إلاَّ بإبعادِهِ كُلِيًّا عن جهنم وإدخاله الجنة، وأمّا بالنسبة لقول الله تعالى في آخر آية (٧٢): "... ونذرُ الظالمينَ فيها جِثِيًّا" فهو أكبر دليل على أنَّ الله تعالى عندما يُدخِلُ الظالم جهنم لن يُخرِجَهُ منها أبدًا وأنّه سوف يخلد فيها ما دامت السماوات والأرض.

فكيف سوف يُخرج محمد عليه السلام قومه من جهنم إلى الجنة؟

(٣): الدليل على أنَّ المؤمن لا يَرِد النار أبدًا، وعلى أنَّ نجاته هِيَ بإبعاده عن جهنم وبإدخاله الجنة نجدُهُ في السُوَر التالية.

* سورة الأنبياء
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴿٩٨﴾ لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٩٩﴾ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴿١٠٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴿١٠١﴾ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴿١٠٢﴾ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿١٠٣﴾.

إنَّ تلك الآيات البيّنات تنفي نفيًا قاطعًا الأكذوبة الوسِخة التي تقول أنَّ كل إنسان من أمّة محمد سوف يَرِد جهنم، في آية (١٠١) نجد أنَّ الّذين حكم الله تعالى عليهم بالحُسنى (أي بالجنة) مُسبقًا عندما كانوا يعيشون في هذه الأرض، سوف يُبعدهم الله تعالى نِهائِيّا عن جهنم في الآخرة، ونجد أيضًا قول الله تعالى في آية (١٠٢): "لا يسمعون حسيسها..."، إذا كان المؤمنون لا يسمعون حسيس جهنم، فكيف سوف يدخلوا جهنم أو يرِدوها أو حتّى يقتربوا منها؟

* سورة النمل
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴿٨٩﴾ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٩٠﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٨٩): "... وهُمْ من فزعٍ يومئِذٍ ءامِنون" هو أكبر دليل على أنَّ الّذي آمن وعمل الصالحات يؤْمِنه الله تعالى من الفزع، أي من عذاب جهنم أو حتّى من رؤية هذا العذاب، فكيف إذًا سوف يَرِد جهنم؟

إذًا فالإنسان يدخل الجنة أو جهنم بِأعمالِهِ وليس بشفاعة أحد، ولذلك ختم الله تعالى آية (٩٠) بقوله: "... هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ".

* سورة الزمر
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٦٠﴾ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦١﴾.

يوجد تشابه كبير بين آية (٦١) من سورة الزمر وآية (٧٢) من سورة مريم، مِمّا يدلّنا على أنَّ المؤمن لا يمسّه السوء ولا يحزن، أي لا يدخل أبدًا جهنم.

في الختام أدعوا الله تعالى أن يُدخلنا برحمته (جنَّة الآخرة) في عباده الصالحين.

* سورة النمل
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ..... ﴿١٧﴾ .......... ﴿١٨﴾
 فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿١٩﴾.

 

231 May 10 2017