هل هناك سنّة قولية وسنّة عملية كما يظن أكثر الناس؟

Raed's picture
Author: Raed / Date: Wed, 02/03/2016 - 23:09 /

 

هل هناك سنّة قولية وسنّة عملية كما يظُنُّ أكثر الناس
 

1. يظن اكثر الناس أنَّ هناك سنَّتين، سنة قولية وسنة عملية (أي فعلية). السنة القولية هي ما قاله الرسول محمد عليه السلام. تؤمن بها الأقلِيَّة من الناس على أنَّها فقط القرءان، أمّا الأكثرية فتؤمن بها على أنَّها وحي السنة الكاذبة والقرءان. أمّا السنة العملية فهي ما قام به الرسول وما فعله وما تعلَّمهُ منه المؤمنون، مثلاً طريقة الصلواة، الصيام، الحج، وغيرها. تؤمن بها الأقلِيَّة والأكثرية من الناس على حدٍ سوآء. وهي ليست موجودة في القرءان، ولكننا تعلمناها من أسلافنا بحجة أنها سنة عملية فعلها أشياعنا وتواترت بعد ذلك عبر الزمن إلى أن وصلت إلى وقتنا هذا.

إذا نظرنا في القرءان الكريم، نجد أنَّهُ لم يذكر لنا أي شيء عن سنَّتين، سنّة قولية أو سنّة فعلية (عملية)، ولكنَّه ذكر لنا فقط سنَّة واحدة لا ثانِيَ ولا ثالث ولا رابع لها، وهي السنة الإلآهية الّتي هي سنَّة الله عز وجل وشريعته ورسالته الّتي أنزلها على رسولِهِ الأمين محمد عليه السلام. إنَّ أقوال وأفعال (أعمال) الرسول محمد عليه السلام كانت هِيَ القرءان. ونحن لا نستطيع أن نعلم ما قاله محمد وما فعله وما كان عليه كنبي وكرسول إلاَّ من خلال القرءان. فمن ذا الّذي يُحدِّثه الله تعالى في القرءان بقولِهِ لهُ في آياتِهِ: "قُل، قل، قُل..."؟ وهل قول الله تعالى لمحمد عليه السلام في القرءان هو قولٌ يُقال وليس فعل (أي عمل) يتوجَّب على محمد وعلينا القيام بِهِ؟ ألم يعمل الرسول محمد عليه السلام بقول وحديث القرءان الكريم؟ ألم يُطبِّق الرسول محمد الأمين قول الله عزَّ وجل الّذي وضعه لهُ وأمره بِهِ في كل آية من آياتِه؟ ألم يُطبِّق هذا القول عمليًا على أرض الواقع؟

 

2. إخوتي وأخواتي الكرام، لا يوجد شيء إسمُه سنة قولية وسنة عملية، أي فعلية. أولاً، لأنَّ الله تعالى لم يذكر لنا أي شيء عنهما في القرءان الكريم. وثانيًا، لأنَّ الله تعالى أمرنا أن نتبع ونعمل فقط بسنَّتِهِ الّتي وضعها لنا في آياتِهِ. وثالثًا، لأنَّ الله تعالى علَّم محمد عليه السلام أنَّ القول والعمل (أي الفعل) واحد لا فرق بينهما، فالقول هو الفعل أو العمل، والفعل أو العمل هو القول، كما أخبرنا تعالى في آية 23 و24 من سورة الكهف:

سورة الكهف
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْىۡءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَالِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ‌ۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّى لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَـٰذَا رَشَدًا (٢٤).

في آية (23) من سورة الكهف نجد بأنَّ القول هو الفِعل أو العمل، وأنَّ العمل أو الفعل هو القول.

ولقد أخبرنا الله تعالى أيضًا في آية 26 و27 من سورة الكهف:

سُوۡرَةُ الکهف
... لَهُ غَيۡبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡ‌ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ۬ وَلَا يُشۡرِكُ فِى حُكۡمِهِۦۤ أَحَدًا (٢٦) وَٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِن ڪِتَابِ رَبِّكَ‌ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا (٢٧)".

في آية (27) من سورة الكهف، لا يوجد كلام غير كلام الله، ولا يوجد أي سنَّة نلجئ إليها غير القرءان.

سورة فُصّلت
وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (٣٣).

اتظروا إلى عظمة تلك الآية البينة. لقد قال الله تعالى: "وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ". هل الدُعاء إلى الله يكون فقط بالقول من دون فعل؟ وهل العمل الصالح هو قول لا يُفعلُ بِهِ؟ وهل من قال أنه من المُسلمين لم يفعل أو يعمل أو يُطبِّق قوله هذا؟ بمعنىً أصح، هل الإسلام هو قول من دون فعل؟ وهل سنة الله القولية في هذه الآية العظيمة ليس لها دعوة بسنته العملية؟ لقد أرادنا الله عز وجل أن نعمل بأحسن القول لِقوله تعالى: "وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلاً". إذًا فإنَّ أحسنُ القول هو أن ندعو إليه أي إلى كتابِهِ قولاً وفعلاً، وأن نعمل صالحًا قولاً وفعلاً، وأن نقول أننا من المُسلمين قولاً وفعلاً. يعني أن نفعل ونُطبق إسلامنا قولاً وفعلاً على أرض الواقع. فهل توجد سنة قولية وسنة عملية بعد سنة الله الّتي هي قولية وعملية في آنٍ معًا؟

 

3. لقد أمرنا الله تعالى في كثير من آياته أن نتَّبع فقط القرءان، لأنَّ القرءان هو كتابٌ بيِّنْ ومُفصَّل وكامِل، وفيه جميع العلوم والأمثال والعبر. وإذا كان القرءان هو القول والسنة النبوية الباطلة الّتي لا توجد في القرءان هي العمل كما يزعم أكثر الناس، فهذا يعني أنه علينا أن نعمل فقط بالسنة النبوية لا بآيات القرءان، لأنَّ القرءان (بزعمهم) هو السُّنَّة القولية وليس السُّنَّة العملية. وأنا وبعد ما يُقال، لا يسعني إلاَّ أن أتوقف هنا وأسأل كل إنسان يؤمن بالسنّة القولية والسنّة العملية: إذا كان القرءان هو السنَّة القولية (نقوله فقط) وليس السنَّة العملية (لا نعمل بِهِ)، فما فائدته إذًا؟ ولماذا أنزلهُ الله عز وجل علينا؟

 

4. إنّ أكثر الناس يتساءلون، لماذا بعث الله عز وجل محمدًا الأمين بالقرءان الكريم إذا كانت لا توجد لديه سنة خاصَّة بِهِ؟ لذلك أجابهم الله تعالى بقوله لهم في آياتِهِ البينات التالية:

سُوۡرَةُ الرّعد
كَذَالِكَ أَرۡسَلۡنَـٰكَ فِىٓ أُمَّةٍ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡہِمُ ٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ‌ۚ قُلۡ هُوَ رَبِّى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَڪَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ (٣٠).

سُوۡرَةُ النَّمل
إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُ ڪُلُّ شَىۡءٍ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (٩١) وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَ‌ۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَہۡتَدِى لِنَفۡسِهِۦ‌ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۟ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ (٩٢).

سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَ‌ۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) وَقُرۡءَانًا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٍ   وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِيلاً (١٠٦).

سُوۡرَةُ العَنکبوت
وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَـٰبٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ‌ۖ إِذًا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ (٤٨) بَلۡ هُوَ ءَايَـٰتُۢ بَيِّنَـٰتٌ فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ‌ۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَـٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّـٰلِمُونَ (٤٩) وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِۦ‌ۖ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۟ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡڪِتَـٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَرَحۡمَةً وَذِڪۡرَىٰ لِقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٥١).

سُوۡرَةُ النِّسَاء
إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَٮٰكَ ٱللَّهُ‌ۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآٮِٕنِينَ خَصِيمًا (١٠٥).

سُوۡرَةُ النِّسَاء
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرًا لَّكُمۡ‌ۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠).

سُوۡرَةُ النِّسَاء
إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ‌ۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَـٰعِيلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَـٰرُونَ وَسُلَيۡمَـٰنَ‌ۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُ ۥدَ زَبُورًا  (١٦٣)  وَرُسُلاً قَدۡ قَصَصۡنَـٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلاً لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَ‌ۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَڪۡلِيمًا (١٦٤) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ‌ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥) لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡہَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَ‌ۖ أَنزَلَهُ بِعِلۡمِهِۦ‌ۖ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَشۡهَدُونَ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدًا (١٦٦).

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَٱڪۡتُبۡ لَنَا فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلۡأَخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَ‌ۚ قَالَ عَذَابِىٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُ‌ۖ وَرَحۡمَتِى وَسِعَتۡ كُلَّ شَىۡءٍ فَسَأَكۡتُبُہَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّڪَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَـٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ (١٥٦) ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلۡأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِى ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡہَٮٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنڪَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓٮِٕثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُ ۥۤ‌ۙ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (١٥٧).

سُوۡرَةُ محَمَّد
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ (١) وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّہِمۡ‌ۙ كَفَّرَ عَنۡہُمۡ سَيِّـَٔاتِہِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ (٢) ذَالِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّہِمۡ‌ۚ كَذَالِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَـٰلَهُمۡ (٣).

في آية (3) من سورة محمد: هل يكون "إتباعنا للحق من ربِّنا" هو بالقول وليس بالفعل؟ وهل "الحقُّ من ربِّنا" هو السنة النبوية أم القرءان الكريم؟

سُوۡرَةُ المَائدة
وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ‌ۖ فَٱحۡڪُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ‌ۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ۚ لِكُلٍّ۬ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَڪُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِى مَآ ءَاتَٮٰكُمۡ‌ۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَاتِ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُڪُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ‌ۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَہُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِہِمۡ‌ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ (٤٩).

 

5. إنَّ الله تعالى لم يذكر لنا في كتابه العزيز أيّ شئ عن السنّة القولية (كلام الله) وعن السنّة العملية (أفعال محمد عليه السلام)، بل قال أنَّهُ قد فصَّل لنا كل شيء في القرءان الكريم بهدف أن نعمل بِهِ. إذًا فالقرءان هو كتابٌ فصَّلهُ الله تعالى قولاً وفعلاً وعملاً، وهذا أكبر برهان على أنّ أقوال وأفعال محمد عليه السلام كانت فقط وفقط وفقط من القرءان الكريم.

والآن أرجو منكم أن تتدبّروا الآيات البيّنات التالية التي تُبيّن لنا وبوضوح تام سنّة الله (القرءان الكريم)، مِمّا ينفي لنا نفيًا قاطعًا سنَّة محمد القولية والعملية (وحي السنة) المفتراة عليه بالكذب، ومِمّا ينفي لنا أيضًا جميع سُنن وقوانين وكُتُب جميع البشر:

سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنڪِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ‌ۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَـٰنِكُم‌ۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَيۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخۡدَانٍ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيۡہِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ‌ۚ ذَالِكَ لِمَنۡ خَشِىَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡ‌ۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٌ لَّكُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٥) يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَہۡدِيَڪُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِڪُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦).

آية (62): "ويهديكم سنن الذين من قبلكم": هذه الآية تؤكد لنا أنَّ سنة الله عز وجل ورسالاته وكتبه الّتي أنزلها (من أوّل خلق البشر إلى آخره) هي واحدة لجميع أنبيائه ورُسُله وجميع الأمم السابقة، وتؤكد لنا أنَّ قانون الله عز وجل الّذي وضعه لنا وأمرنا به في كل آية من آيات القرءان الكريم هو واحد لجميع الأمم ولجميع الناس. وهذا يدلنا على أنه لا وجود لسنة عيسى أو سنة موسى أو سنة إسرائيل أو سنة سليمان أو سنة نوح أو سنة يوسف أو سنة محمد (السنة القولية والسنة العملية). لا وجود إلاَّ لسنة الله الّتي أنزلها علينا وهدانا إليها تمامًا كما أنزلها على الّذين من قبلنا. وإذا ربطنا آية 26 بأية 25 الّتي تسبقها وتدبرنا آية 25، نجد أنَّ سنة الله عز وجل الّتي فرضها في تلك الآية بالنسبة للنكاح أو غيره مِمّا ذكره الله تعالى لنا في هذه الآية (وفي جميع آيات سورة النساء الّتي تسبق تلك الآية وتليها) فرضها أيضًا على جميع الأمم السابقة، مِمّا يدلنا بل يؤكد لنا أنَّ قانون الزواج (النكاح) والطلاق وما ذكره الله تعالى لنا في القرءان عن "مّا ملكت أيماننا" هو واحد لجميع الأمم ولجميع الناس، من أوّل خلق البشر إلى آخِرِهِ، وهذا يُثبت لنا أنَّ كتب الله أي سنته الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وجميع الناس هي واحدة.

سورة الإسرَاء
سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَا‌ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلاً (٧٧).

"ولا تجد لسنّتنا تحويلاً": أي لا تبديل ولا تغيير لسنة الله. هذه الآية البينة تؤكد لنا وجود سنة واحدة لا غير ألا وهي سنة الله عز وجل الّتي أنزلها إلى محمد وإلى جميع أنبيائه ورُسُله، وتنفي نفيًا قاطعًا سنة محمد عليه السلام المزعومة. فمثلاً، إذا وضع الله تعالى أو سنَّ قانونًا في كتابِهِ مهما كان هذا القانون، فهو سُبحانهُ يُنفِّذُهُ ولا يستطيع أحد أن يُغيِّرَ قانونه. مثالاً لذلك، إذا قال الله تعالى أنه سوف يُعذب الظالمين والمُشركين فلا أحد (لا محمد ولا عيسى ولا موسى ولا غيرهم) يستطيع أن يُغيِّر سنة الله فيسنّون سنَّة (أو سُنن) أخرى تقول أنهم سوف يشفعوا لأمتهم وسوف يُذهبوا عنهم عذاب جهنم وسوف يُدخلونهم الجنة في الآخرة.

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٌ مِّنۡہَا وَطَرًا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً (٣٧) مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ مِنۡ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقۡدُورًا (٣٨).

إنَّ آية (38) تبين لنا وبكل وضوح أنَّ أمر الله عز وجل أي قانونه وسنته الّتي وضعها وفرضها على محمد عليه السلام في القرءان وأمرهُ بها، وضعها وفرضها أيضًا في السابق في الّذين خلَوا من قبل أي في جميع الأمم السابقة وأمرهم بها، لِقولِهِ تعالى فيها: "مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ مِنۡ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُ". وهذا القانون أو السنة هو قانون أحله الله تعالى على المؤمن في الزواج من أزواج أدعيائِهِم إذا قضوا منهُنَّ وطرًا لِقولِهِ تعالى في آية 37: "زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًا"، لأنَّ سنة الله وشريعته وقانونه هو أمر الله وقدره كما قال تعالى في آية 37: "وكان أمر الله مفعولاً" وفي آية 38: "وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقۡدُورًا"، وهذا يعني أنَّهُ علينا أن نعمل ونفعل بأمر الله الّذي سنَّهُ ووضعه لنا في القرءان. هذه هي السنة الّتي علينا أن نفعل (ونعمل) بها، إنها سنة الله وقانونه وليست سنة محمد وقانونه أو سنن البشر وقوانينهم.

هناك آيات كثيرة عن سنة الله في القرءان الكريم، ولكني سوف أكتفي بهذا القدر، فآية واحدة هي أكثر من كافية لإظهار الحق، وسوف أختم هذا الموضوع ببعض من آيات الله البينات تبين لنا وتعطينا أيضًا الجواب المؤكد لعدم وجود سنة قولية أو عملية أتت من أشياعنا وأسلافنا وأمَّتنا السابقة وءآباؤنا بالتواتر، لذلك أرجو منكم أن تقرأوها بتدبر شديد لأنها تُظهر الحق وتمحقُ الباطل:

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِى صَدۡرِكَ حَرَجٌ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ (٢) ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ‌ۗ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (٣).

آية (3): "ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ": أي يجب علينا أن نتبع فقط قول الله (سنة الله) في القرءان الكريم. "وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ‌": أي من المحظور علينا أن نتَّبع من دون الله أي من دون "ما أُنزِل إلينا من ربِّنا" أقاويل وسُنن أوليآءنا، الّتي من ضمنها  السُّنتان المزعومتان القولية والعملية، وسُنن أُخرى كثيرة باطلة لا تُعد ولا تُحصى.

سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآٮِٕفَةٌ مِّنۡہُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِى تَقُولُ‌ۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ‌ۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡہُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ‌ۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَـٰفًا ڪَثِيرًا (٨٢).

آية (81): "وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآٮِٕفَةٌ مِّنۡہُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِى تَقُولُ‌": هذه الآية تدلنا على كيفية صناعة قوم الرسول محمد (من الّذين دخلوا في الإسلام) للسنة القولية وللسنة العملية وللأحاديث والأقاويل الكاذبة الّتي بدأت صناعتها منذ زمن الرسول محمد عليه السلام. لذلك قال الله تعالى في آية 82: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ‌ۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَـٰفًا  ڪَثِيرًا"، لأنَّ القرءان لا يوجد فيه عِوج أو تناقض أو اختلاف أو نقص في شريعته وسنته وقوله وحديثه وعلومه، ولكن كتب البشر وأقاويلهم وأحاديثهم وسُننهم منها السنة القولية والعملية الّتي أتت بالتواتر من خلالهم فيها اختلاف كثير أي تناقض كبير وتضارُب وكذب عظيم وعِوج ونقص هائل، وهذا الاختلاف الكثير كما وصفهُ الله عز وجل بقولِهِ في آية 82: "لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَـٰفًا  ڪَثِيرًا"،  يجعلنا نرى الفرق الشاسع البعيد اللانهائي بين قول الله جلَّ وعلا الّذي هو دين الله القرءان الكريم، وبين أقاويل وأحاديث وسُنن البشر الّتي هي جميع الأديان والمذاهب والطوائف والأحزاب والقوانين الباطلة.

سُوۡرَةُ العَنکبوت
وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَـٰبٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ‌ۖ إِذًا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ (٤٨) بَلۡ هُوَ ءَايَـٰتُۢ بَيِّنَـٰتٌ فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ‌ۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَـٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّـٰلِمُونَ (٤٩) وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِۦ‌ۖ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۟ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡڪِتَـٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَرَحۡمَةً وَذِڪۡرَىٰ لِقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٥١) قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِى وَبَيۡنَڪُمۡ شَہِيدًا‌ۖ يَعۡلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَڪَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (٥٢).

لقد قال الله تعالى في آية (51): "أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡڪِتَـٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَرَحۡمَةً وَذِڪۡرَىٰ لِقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ". إذا كان كتاب الله عز وجل القرءان الكريم هو كافٍ لنا وفيه رحمة وذِكرى لقوم يؤمنون كما قال الله تعالى لنا في هذه الآية، فلماذا إذًا  نؤمن ونصدق ونأخذ ونتبع كتب وأقاويل وأحاديث وسُنن وتفاسير غير كتاب وقول وحديث وسُنَّة وتفسير الله عز وجل؟ ومن علينا أن نُصدِّق ونتَّبع، هل علينا أن نُصدِّق ونتَّبع الله في كتابه العزيز فيما قاله لنا وأمرنا بِفِعلِهِ في هذه الآية البينة، أم علينا أن نُصدِّق ونتَّبع البشر (فلان وعلتان) في كتبهم الكاذبة فيما قالوه وفعلوهُ وعملوا بِهِ من سنة قولية وسنة عملية؟

سُوۡرَةُ البَقَرَة
تِلۡكَ أُمَّةٌ قَدۡ خَلَتۡ‌ۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡ‌ۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١٤١).

"وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ": أي لن يسألنا الله تعالى في الآخرة أو يُحاسبنا على أعمال وأفعال الأمم السابقة. أي لن نُحاسب في الآخرة على أساس السنة القولية والسنة العملية الّتي أقامتها وعملت بها جميع الأمم السابقة، منها أمتنا وأشياعنا وأسلافنا وءآباءنا، والّتي وصلت إلينا من خلالهم بالتواتر.

سُوۡرَةُ المَائدة
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡہَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡہَا‌ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٌ مِّن قَبۡلِڪُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِہَا كَـٰفِرِينَ (١٠٢) مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٍ وَلَا سَآٮِٕبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ‌ۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ (١٠٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ‌ۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَلَا يَہۡتَدُونَ (١٠٤) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡ‌ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (١٠٥).

آية (101): "لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡہَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ". هذه الآية تدلنا على أننا إذا أردنا أن نعلم أي علم أو أمر (قولاً وعملاً)، علينا أن نسأل عنه فقط القرءان، أي علينا أن نبحث عنه فقط في القرءان، أي علينا أن نأخذ علمه فقط من القرءان، أي علينا أن نأخذ جوابه فقط من القرءان، أي علينا أن نتَّبع فقط ما أنزل الله تعالى إلينا من سُنَّة في القرءان قولاً وعملاً، وأن لا نتبع ما وجدنا عليه آبآءَنا من سنة قولية وسنة فعلية، لأنهم كما قال تعالى عنهم في آية 104: "أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَلَا يَہۡتَدُونَ".

بمعنىً أوضح:

آية (101): "يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ": أي لا تسألوا السلف الطالح والأئمة والمفتين والّذين يُسمون أنفسهم بعلماء وشيوخ الأمة الإسلامية عن أي شيء تريدون معرفته في دين الله، لأنهم إذا أعطوكم الجواب من خلال السنَّة القولية الكاذبة والسُنَّة العملية المزعومة فسوف يكون هذا الجواب باطلاً، لأنهم لن يُعطوكم إيّاهُ من القرءان الكريم، بل سوف يُعطوكم إيّاهُ من كتب الأحاديث والتفاسير أي من كتب وحي السنة الكاذبة الّتي لم يُنزل الله تعالى بها من سلطان، وبالتالي سوف يُسِئكم، أي سوف يؤدي بكم إلى الهلاك أي إلى الخلود في جهنم.

آية (101): "وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡہَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ": أي اسئلوا فقط القرءان الكريم، لأنَّهُ الكتاب الوحيد الّذي يَستطيع أن يُعطينا العلم الصحيح الحق أي السُنَّة الصحيحة وبالتالي الأجوبة الصحيحة على كل شيء نريد معرفته لأنَّها من عند الله العلي العليم، ولأنَّ  الله عز وجل عندما أنزل كتابَهُ علينا وضع لنا في آياتِهِ جميع العلوم والأمثال والعِبر، ووضع لنا الأسئلة وأجوبتها، وفصَّل وبيَّنَ وفسَّرَ وأحكم لنا كل شيء وأمر نريد معرفته عن كيفية وسبب وماهية وجوديتنا والهدف منها، وعن سعيِنا وعملنا وجميع ما يتوجَّب علينا قوله وفِعلُهُ عملِيًّا في حياتنا في هذه الأرض والهدف منهُ، وعن كيفية وسبب وماهية موتنا والهدف منهُ، وعن كيفية وسبب وماهية بعثنا في أرض الآخرة والهدف منها.

آية (102): "قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٌ مِّن قَبۡلِڪُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِہَا كَـٰفِرِينَ": لأنَّ القوم الّذين من قبل كانوا قد سألوا عن تلك الأشياء من خلال دينهم الباطل، أي من خلال السنَّة القولية والسنَّة العملية، أي من خلال كتب ءابآئهم الأولين وسلفهم الطالح وأئِمتهم وعلماء دينهم الباطل المُحرَّف الّذي يتبعونه، ولذلك فهم بدلاً من أن يأخذوا الأجوبة الصحيحة أي العلم الصحيح والحق عن تلك الأشياء  الّتي سألوا عنها فيُصبحوا بها مؤمنين، أخذوا الأجوبة الباطلة أي العلم الخاطئ والباطل من دين ءابآئهم وعشيرتهم وقومهم  الباطل، ثُمَّ أصبحوا بهذا العلم الباطل كافرين قولاً وفعلاً.

آية (103): "مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٍ وَلَا سَآٮِٕبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ‌ۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ": أي ما جعل الله من كتب أحاديث وشريعة وتفاسير وسنَّة قولية وعمليَّة، ككتب الأحاديث والسنة والتفاسير والفقه الباطلة،  ككتابَي بخاري ومُسلم وكتب الأئمَّة الأربعة وغيرهم. أي ما جعل الله من بخاري ولا مُسلِم ولا مالكي ولا شافعي ولا نووي ولا حنبلي ولا ولا ولا... أي ما نزَّل الله عز وجل لنا بها (أي بتلك الكُتُب) من سلطان، ولكنَّ الّذين كفروا يفترون على الله الكذبَ وأكثرهم لا يعقلون.

آية (104): "وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ‌ۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا  وَلَا يَہۡتَدُونَ": أي إذا قيل لهم تعالوا إلى سُنَّةِ الله وإلى الرسول الحامل لِسُنَّةِ الله، أي إذا قيل لهم ءامنوا بدين الله وسُنَّتِهِ أي بما أنزل الله عز وجل في بالقرءان، وءامنوا بالرسول لأنَّهُ حامل لرسالة القرءان ولأنَّهُ عنده فقط علم القرءان، رفضوا اتباع دين الله وتولّوا عنهُ مُعرضين، و"قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءابآءنا"، أي حسبنا ما وجدنا عليه دين ءابآئنا من سُنَّة قولية وعملِيَّة. لذلك أجابهم الله عز وجل بقوله لهم: "أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَلَا يَہۡتَدُونَ"، لأنَّ دين ءابآءهم أي السُنَّة القولية والعملية ليس من عند الله، وبالتالي هو دينٌ باطل وكاذب لا يوجد فيه أي عِلم صحيح أو حق، ولا يوجد فيه هداية، ولذلك فلن يستطيع ءابآءهم أن يُعطونهم  الأجوبة الصحيحة على أي شيء يسألونهم عنه، ولا أن يهدنوهم إلى طريق الجنة، فهم أنفسهم "لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون"، فكيف يستطيعون إذًا  أن يَهدوا أزواجهم أو أبنائهم أو أهليهم أو جيرانهم أو أصحابهم أو عشيرتهم أو الآخرين إذا لم يكونوا هُم أصلاً يعلمون شيئًا، وإذا لم يكونوا هُم أصلاً مُهتدين؟ وهم بدلاً من أن يُعطوهم دين الحق، أي سُنَّة الله الّتي وضعها لنا في القرءان الكريم، فسوف يُعطونهم سُنَّة قولية وعملية ما نزَّل الله تعالى بها من سُلطان، وبالتالي سوف يلبسون عليهم دينهم فيُردوهم في نار جهنم خالدين فيها أبدًا.

في هذه الآية الكريمة آية (104)، يُريد الله تعالى أن يَحُثَّنا على أن نسأل القرءان عن أي شيء نريد معرفته، وأن نتبع فقط ما أمرنا به وما قاله الرسول لنا من سُنَّة الله عز وجل في القرءان، لا ما قالتهُ السنة القولية والعملية (وحي السنة المزعومة)، لأنَّ الرسول محمد الأمين صلوات الله عليه لم يقُل إلاَّ القرءان ولم يعمل إلاَّ بالقرءان ولم يتَّبع إلاَّ سنة الله في القرءان، لأنَّهُ كان أمينًا  على رسالة وسُنَّة الله عز وجل (القرءان الكريم) الّتي أنزلها وحيًا عليه، ومن ضمنها جميع رسالات وسُنن الله عز وجل الّتي أنزلها على جميع أنبيائه ورُسُلِهِ وحفظها في القرءان. في هذه الآية الكريمة، يريدنا الله تعالى أن لا نتبع الدين الّذي ورثناهُ منذ الصِغَر عن ءابآئنا، مثالاً لذلك الدين السني والدين الشيعي والدين الدرزي وغيره من الأديان والأحزاب والمذاهب والطوائف المُتوارثة، وبالتالي أن لا نتَّبع السنَّة القولية والسُنَّة العملية الّتي يُسمونَّها بالكذب سُنَّة مُحمد الّتي هو بريءٌ منها إلى يوم القيامة. من أجل ذلك ختم الله تعالى تلك الآيات البينات بنصيحة منه وضعها سُبحانه وتعالى لنا في آية 105، لكي يُعطينا بها القوة والصبر والثبات على دين الحق، بهدف التمسُّك بسنَّة الله أي بالقرءان وإقامته. "ومن يُعطي النصيحة الأفضل إلاَّ هوَ"؟ سُبحانه وتعالى عمّا يُشركون. هذه النصيحة تقول:

آية (105): "يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡ‌ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ".

سُوۡرَةُ هُود
الٓر‌ۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ‌ۚ إِنَّنِى لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢).

آية (2): "ألاَّ تعبدوا إلاّ الله": أي ألاَّ تتبعوا إلاّ سنَّة الله وقول الله وشريعة الله وحديث الله الّتي وضعها لنا في كتابِهِ، لأنَّها مُحكمة ومُفصَّلة من الله الحكيم الخبير، لِقولِهِ تعالى: "كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ". أي علينا أن نتبع كتاب الله المُحكم والمُفصَّل وأن لا نتَّبع كتب وأقاويل وسُنن وأفعال ناقصة ومُختلفِة صناعة بشرية بحتة أتت بالتواتر من البشر.

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَلَقَدۡ جِئۡنَـٰهُم بِكِتَـٰبٍ فَصَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٥٢).

لقد قال الله تعالى وبكل وضوح: "وَلَقَدۡ جِئۡنَـٰهُم بِكِتَـٰبٍ فَصَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ". أين ذِكر السنة القولية والسنة العملية وتفصيلها على عِلم في القرءان الكريم؟

سُوۡرَةُ الفُرقان
وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (٣٣).

إذا جاءنا الله عز وجل بقول الحق وبأحسن التفسير لجميع الأمثال (العلوم) في كل آية من آيات القرءان الكريم، فما حاجتنا بعد لتفاسير وأقاويل وسُنن أتتنا بالتواتر "من الأمة السابقة الّتي خلت"، وأتتنا بالتواتر من ءآبائنا الأوّلين من "الّذين لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون"؟ 

 

6. في الختام، أتمنى من الله عز وجل أن يهديني وإيّاكم إلى اتباع فقط سُنتِّهِ العظيمة (القرءان الكريم)، وأن يُبعدني وإيّاكم عن سُنن البشر وعن السنة القولية والسنة العملية، لأنَّ سُنَّة الله عز وجل الّتي وضعها لنا في القرءان الكريم كافية لإدخالنا الجنة ولإبعادنا عن جهنم.

4 Jan13, 2016