ما حقيقة وسبب صوم مريم عليها السلام؟
ما حقيقة وسبب صوم مريم عليها السلام؟
بالنسبة لِصوم مريم عليها السلام، فلقد كان صيامًا يُترجم بامتناعها عن الكلام مع الناس. والعبرة منه نجدها من خلال آيات الله البيّنات في سورة مريم:
سُوۡرَةُ مَریَم
فَكُلِى وَٱشۡرَبِى وَقَرِّى عَيۡنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِىٓ إِنِّى نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ صَوۡمًا فَلَنۡ أُڪَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيًّا (٢٦) فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُ ۥۖ قَالُواْ يَـٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـًٔا فَرِيًّا (٢٧) يَـٰٓأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٍ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلۡمَهۡدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّى عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَٮٰنِىَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا ڪُنتُ وَأَوۡصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّڪَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيًّا (٣١) وَبَرَّۢا بِوَالِدَتِى وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِى جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيًّا (٣٣).
في تلك الآيات البيّنات أراد الله تعالى أن يُعطي مريم عليها السلام الثِّقة والقوة أمام قومها، لأنه تعالى أراد أن يُرسِلها إلى قومها مُباشرةً بعد ولادتها لِعيسى عليه السلام، لأنَّ قومها لم يكونوا على علم بِحملها ووِلادتها من دون أب. فالله تعالى علِمَ أنَّ قومها لن يُصدِّقوها وسوف يُوجهون لها الإتهامات بالسوء والبغاء وسوف يؤذونها، ولذلكَ أراد الله تعالى أن يُخفف عنها آلامها النفسية ويُذهِبْ عنها أذى قومها وخوفها منهم ويُبَرِّأها أمامهم بواسطة إبنها عيسى عليه السلام من خلال صومها أي امتناعها عن الكلام مع قومها أو حتّى عن إجابتهم، ومن خلال مُعجزة كلام وجواب عيسى (عليه السلام) لقومه وهو في المهد بدلاً عن أمه مريم (عليها السلام) لِكَيْ يُصدِّقوا أنَّ عيسى هو كلمة الله (أي كتاب الله، أي الإنجيل)، ولذلك خلقه الله تعالى يُكلِّم الناس في المهد وكهلاً، لأنه كان هو الإنجيل أي الكتاب.
ولذلك فعندما أتت مريم قومها بِعيسى تحمِلُهُ، "قَالُواْ يَـٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـًٔا فَرِيًّا، يَـٰٓأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٍ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيًّا"، فماذا فعلت مريم عليها السلام؟ الجواب هو، لقد صامت عن الكلام أو الجواب. كيف؟ "فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ"، أي طلبت منهم أن يُكلِّموا عيسى (عليه السلام) لكَي لا تُجيبهم هي بنفسها. فبماذا أجابها قومها؟ "قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلۡمَهۡدِ صَبِيًّا". فأجابهم عيسى وهو في المهد تبرأةً لِأمِّهِ وآيةً لِقومِهِ بقولِهِ لهم: "إِنِّى عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَٮٰنِىَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا، وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا ڪُنتُ وَأَوۡصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّڪَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيًّا، وَبَرَّۢا بِوَالِدَتِى وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِى جَبَّارًا شَقِيًّا، وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيًّا".
هذا هو السبب الحقيقي الّذي من أجلِهِ صامت مريم عليها السلام عن الكلام والحديث مع قومها. إذًا فصيام مريم عليها السلام عن الكلام كان امتناعًا مؤقتًّا عن الكلام ولِدقائق قليلة، يهدُف إلى تبرأة مريم وإلى التصديق بالإنجيل (عيسى) من خلال كلام عيسى مع قومه وهو في المهد.
والسلام عليكم
17 Mar 22, 2016