أسطورة الإسراء والمعراج (3)

Raed's picture
Author: Raed / Date: Tue, 04/19/2016 - 23:34 /

 

 

أسطورة الإسراء والمعراج (3)

 

23. مقدمة الجزء الثالث:

لقد ذكرت لكم في الجزء السابق من خلال آيات الذِّكْر الحكيم أنَّ الجنة وجهنم لم يُخلقا بعد وسوف يُخلقا بعد فناء السماوات والأرض أي بعد موت وزوال الجنس البشري. فالله تعالى كما بدأ أول خلقٍ وخلق سماوات وأرض، فهو سبحانه يستطيع وهو أهونُ عليه أن يُعيد خلقهما بتبديلهما إلى سماوات أخرى وأرض أخرى (سماوات وأرض للجنة، وسماوات وأرض لجهنم) كما بيَّن لنا في الآيات الّتي ذكرتها لكم في الجزء السابق وفي آية (27) من سورة الروم:

سُوۡرَةُ الرُّوم
وَهُوَ ٱلَّذِى يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِ‌ۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٢٧).

لقد ذكرت لكم أيضًا أن محمدًا عليه السلام لم يرَ الجنة وجهنم رؤيا العين ولكنه رآهما من خلال الرؤيا الّتي هي آيات القرءان الحكيم.

ولقد أخبرتكم سابقًا في الجزء الأول من هذه الأسطورة، عن الأحاديث الكاذبة المنقولة حول قصة الإسراء والمعراج، ومن ضمنها هذا الحديث الّذي يقول: أنَّهُ بعد أن رُفِعَ بمحمد إلى سدرة المنتهىى، وعُرِجَ بِهِ إلى الجَّبّار جلَّ جَلالُهُ أي قابل الله تعالى، كان في حضرة العرش، ودنا مِنه الله حتى كان قاب قوسَيْنِ أو أدنى، ورأى محمد الله بِعين بَصيرتِهِ، ومدَّ العلِيُّ العظيم يَدًا على صدر محمد والأُخرى على كَتِفِهِ.

 

24. سؤال في غاية الأهمية يجب على كل إنسان عاقل أن يسأله: هل يستطيع محمد كمخلوق بشري أن يرى ربَّه؟

هناك مجموعة أدلة وأسباب تدلنا على أن لا محمد ولا أي مخلوق آخر غيره لا يقدر ولم يقدر ولن يقدر أن يرى الله لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة:

  • السبب الأول هو أنَّ المخلوق ليس كالخالق ولا يُشبَّه به، لأن المخلوق له صورة وشكل، أما الخالق فليس له أي صورة أو شكل لأنه ليس كمثله شيء. فإذا استطاع محمد عليه السلام كمخلوق بشري أن يرى الله في قصة المعراج الكاذبة، فيصبح الله بذلك له صورة وشكل نستطيع أن نراهُ بها ويكون مخلوقًا وليس خالقًا. هذا هو الفرق الشاسع  اللانهائي ما بين الخالق والمخلوق، فمثلاً الشمس لها صورة وشكل فهي إذًا مخلوقة لذلك نستطيع أن نراها، وكذلك الأمر بالنسبة للأرض وما فيها من طبيعة ونبات ودواب، وبالنسبة للسماء وما فيها من نجوم ومجرات وكواكب. أما الله الإله الخالق فلا يُشبّه بالمخلوق لأنه هو الخالق.

هذا ما بينه الله عز وجل لنا في الآيات التالية:

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ أَزۡوَاجًا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِ‌ۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَىۡءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (١١).

سُوۡرَةُ النّحل
أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُ‌ۗ أَفَلَا تَذَڪَّرُونَ (١٧).

سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡ‌ۖ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَـٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ سُبۡحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمۡ تَكُن لَّهُ صَـٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىۡءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذَالِڪُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ‌ۖ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ۖ خَـٰلِقُ ڪُلِّ شَىۡءٍ فَٱعۡبُدُوهُ‌ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ وَڪِيلٌ (١٠٢) لَّا تُدۡرِڪُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَ‌ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ (١٠٣).

سُوۡرَةُ فُصّلَت
وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ‌ۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن ڪُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ (٣٧).

 

  • السبب الثاني هو أنه إذا نظرنا في طبيعة خلق محمد كمخلوقٍ بشرِيّْ نجد أنه مخلوق قد حدَّهُ الله في خلقه، أما الخالق فلا يحُدَه شيء. فهو القوي ذو القوة الخارقة الجبارة الهائلة الّتي ليس لها مثيل. فهو خالق السماوات والأرض إذًا هو أكبر وأعظم من السماوات والأرض وفوقهما، وهو خالق الزمن إذًا هو أكبر وأعظم من الزمن وفوقه. وإذا كان الرسول محمد عليه السلام كبشر أو أي إنسان آخر لا يستطيع أن يرى ما في السماوات وما في الأرض إلاَ في حدود نظره، فكيف يستطيع إذًا أن يرى الله الّذي هو أكبر وأعظم من هذه السماوات والأرض؟

تعالوا معًا نتدبر هذه الآيات العظيمة:

سُوۡرَةُ المُلک
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ (١) ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ (٢) ٱلَّذِى خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِى خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤).

سُوۡرَةُ یُونس
هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءً وَٱلۡقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَ‌ۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَالِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ‌ۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ (٥).

نرى من خلال هذه الآية الكريمة أنَّ الله عز وجل هو الّذي خلق الشمس والقمر أي الزمن والوقت (الحساب الزمني).

سُوۡرَةُ الفُرقان
أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضۡنَـٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضًا يَسِيرًا (٤٦).

نرى أنَّ الله عز وجل خلق الزمن والوقت زمن الحيواة الدنيا ولكن إلى أجلٍ مُسمّى، إلى حين إنتهاء الحيواة في هذه الأرض.

سُوۡرَةُ السَّجدَة
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ‌ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ‌ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِى يَوۡمٍ كَانَ مِقۡدَارُهُ أَلۡفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذَالِكَ عَـٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (٦).

 

  • السبب الثالث هو أننا كبشر أي كمخلوقات ضعيفة لا نستطيع أن نتحمل رؤية الله، فإذا تجلى (أي ظهر) الله لنا فلن نتحمل تجليه لنا من شدة قوته الهائلة، فنتفتت ونزول في أقل من ثانية، لأنه كما ذكرت لكم فالله ليس كمثله شيء ولا يحدّه شيء ولا تُدركه الأبصار. ولقد أعطانا الله عز وجل الدليل القاطع لعدم استطاعتنا رؤيته أو إدراك ألوهيته وعلمه العظيم، بسبب قُوَّتِهِ الهائلة الجبارة الّتي بينها لنا في آية (143) من سورة الأعراف:

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَ‌ۚ قَالَ لَن تَرَٮٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَڪَانَهُ فَسَوۡفَ تَرَٮٰنِى‌ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُ دَڪًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۟ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١٤٣).

إذا تابعنا هذه الآية وتمعنا في مضمونها، نجد في عبرة موسى عليه السلام عندما طلب من الله أن يرِيَهُ نفسه (الذات الإلآهية)  بقوله له "رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَ‌ۚ" تفصيلاً كاملاً لعدم استطاعتنا كمخلوقات رؤية الله بما لديه من قوة جبارة وعلم عظيم، والسبب هو  قوته الهائلة الّتي لا يَحُدُّها أي شيء. ولقد اختار الله عز وجل الجبل كمثل لاستحالة رؤيَتِنا له، لأن الجبل له قُوَّة وعَظَمَة تفوق قوة الإنسان بكثير. وإذا أراد الله عزَّ وجَلّْ أن يُريَ موسى نَفْسَهُ فعليه أن يَحُدّْ من قُوَّتِهِ بجميع أشكالها، فلا يكون الله إلاهًا بل يُصبح مخلوقًا ويكون هناك إلآه خالق غيره. فقوة الإله خارقة وليس لها أي حدود أو نهاية، أمَا قوة المخلوق فمهما بلغت فلها حدود ونهاية. وبِمُجَرَّدْ أن تُصبِح قوة الإله محدودة ولو قليلاً، لا يُصْبِح هذا الإلآه إلاهًا، لذلك قال لموسى: "وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَڪَانَهُ فَسَوۡفَ تَرَٮٰنِى‌"، لأنه بمُجَرَّد أن يتجلّى (يظهر) الله للجبل من دون أن يتأثَّرْ هذا الجبل بتجلي الله له فلا يكون هناك دليلاً لألوهيته ولا يُصبح هناك أي أثَرْ لِقُوَّته، وبالتالي لا يكون الله إلاهًا بل يكون مخلوقًا، وبالتالي يستطيع موسى أن يراه، لذلك قال لموسى: "فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَڪَانَهُ فَسَوۡفَ تَرَٮٰنِى‌ۚ"، وإلاّ يُصبح هذا الجبل بتجلّي الله له دكًا، ويكون هذا دليلاً لألوهيته وبالتالي لاستحالة رؤية موسى له. ولقد بيَّن تعالى لنا هذا بقوله: "فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُ دَڪًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا". وبمجرد أن يخر موسى صعِقًا فهذا يعني أنه لم ولن يستطيع أن يرى الله لا في الدنيا ولا في الآخرة. لذلك أجاب الله موسى عندما طلب موسى منه أن يجعله ينظر إليه بقوله له: "لَن تَرَٮٰنِى"، وإنَّ عبارة "لَن" هي للإستحالة، وهذا يعني أنَّ موسى لن يرى الله أبدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنَّه لن يستطيع ذلك، فالله سُبحانه وتعالى ذو القوة الجبارة والعلم العظيم لا يُرى. لقد أراد الله عز وجل أن يُعلِم موسى عليه السلام ويُعْلِمُنا أنه إذا ظهر للجبل فسوف يزول هذا الجبل ويتفتت لأنه هو الخالق ذو القوة الجبارة والعلم العظيم، ولذلك كان قوله: "فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُ دَڪًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا".

نستطيع أن نستنتج من هذه الآية العظيمة أنه إذا أصبح الجبل دكًا بمجرد أن تجلى الله له، فماذا سوف يحصل لمحمد أو لأي إنسان إذا ما تجلى الله له، وماذا سوف يحصل لمحمد إذا ما دنا الله منه؟ عِلمًا بأن تجلي أي ظهور الله للجبل هو في الحقيقة ليس ظهورًا لذات الإلآه لكنه ظهورًا لجزء صغير جدًا من عظمة علمه وقوّتِهِ كدليل لنا على عدم استطاعتنا معرفة كُنه الإلآه وتصوُّرهُ بهدف التوصل إلى معرفة الذات الإلآهية.

وإن هذه الآية (آية 143) من سورة الأعراف هي أكبر دليل على استحالة تجسد الله في المسيح عيسى ابن مريم، فالله تعالى أخبرنا في هذه الآية أنه بمجرد ظهوره "للجبل" وليس "في الجبل" جعله دكًا. أي بمجرّد دنو قوَّتِهِ (بعلمه ومعرفته) من الجبل جعله دكًا، فماذا سوف يحدث للجبل إذا ما ظهرت قوة الله فيه؟ وماذا سوف يحدث لجسد المسيح عيسى ابن مريم إذا ما ظهر الله فيه؟

إن آية (143) من سورة الأعراف هي أيضًا أكبر دليل على استحالة تجسد الله في الحاكم بأمر الله كما يقال في العقيدة الدرزية الباطلة، وهي أكبر دليل على استحالة تجسد الله في الحيوانات أو في الطبيعة أو في الكون أو حتى في أقوى خلقه الملائكة. وهذه الآية كذلك هي أكبر دليل على استحالة دُنُوّ الله من محمد في قصة المعراج الكاذبة مما ينفي لنا نفيًا قاطعًا هذه الأكذوبة،  وينفي لنا أيضًا استحالة رؤيتنا لربّنا يوم القيامة.

في الواقع ليس بالضرورة أن نرى ربّنا أو نُصوِّره أو نُجسّده كي نؤمن به. نحن نستطيع أن نراه ونؤمن به من خلال خَلقِهِ للسماوات والأرض، ومن خلال خلقِهِ لأنفسنا، ومن خلال تسيير الكون المتكامل بتناسق وتناغم وانتظام. ولذلك قال تعالى لنا في كتابِهِ الكريم في سورة طه:

سُوۡرَةُ طٰه
ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ (٥).

عرش الإله هو علم خلق السماوات والأرض. وهذه الآية تعني أن الله تعالى بعد أن خلق السماوات والأرض بقدر وبعلم "استوى على عرشِهِ" أي "ظهر على خلقِهِ" من خلال علمه ومن خلال جميع ما خلق لنا في السماوات والأرض. هكذا نستطيع أن نرى الخالق ونُدْرِكْ وجودِيَّته من خلال جميع علومه العظيمة الّتي وضعها في السماوات والأرض والّتي أعطانا إياها وبيَّنَها لنا، ومن خلال خلقِهِ لِأنفسنا. ألا يكفينا أن نرى ونعلم ما خلق الله عز وجل لنا في هذا الكون حتّى نُدْرِكْ ونؤمن بوجوديته؟ هل نحن بحاجة فعلاً لأن نرى الله رؤيا العين أو أن يتجسد الله في المسيح أو غيرِهِ لكي نتأكَّد من وجودِيَّتِهِ ونؤمن بِهِ؟ 

والآن لنقول على سبيل الجدل الإفتراضي -وهذا جدلاً إفتراضيًا لا يُمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن يحدث- أنه إذا أراد الله سُبحانه وتعالى أن يُرِيَنا نفسه أو أن يدنو منا، فعليه أن يحد من قوته لكي يتمثل لنا بصورة مخلوق أو لكي يظهر في جسد مخلوق. فإذا فعل الله ذلك فلا يعود هناك أي وجودية له كخالق، ولا يصبح هناك أي حفيظ أو رقيب للسماوات والأرض وما بينهما لأن الله الإله الخالق يكون قد فقد قوته، وهذا أمر مستحيل. وإذا كان الله حاشاه قد ظهر في جسد المسيح عيسى ابن مريم كما تقول العقيدة المسيحية الكاذبة، فهذا يعني أن الله قد حد من قوته لكي يستطيع أن يتجسد في جسد المسيح لكي لا يجعله دكًا كالجبل، وهذا يعني أن الله قد خسر قوته كإله في فترة وجوده في جسد المسيح، ويعني أيضًا أنَّ الكون لم يعد له أي خالق أو راعٍ أو حفيظ يحفظه ويرعاه، علمًا بأن الله تعالى أخبرنا في كتابه العزيز في آية (255) من سورة البقرة أنه "لا إله إلا هو الحي القيوم"، وأنه "لا تأخذه سنة ولا نوم"، وأن "وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما"، فمن الّذي كان يحفظ السماوات  والأرض في تلك الفترة الزمنية الّتي فيها تجسد الله في المسيح؟ من أجل ذلك قال الله في كتابه العزيز:

سُوۡرَةُ الزّخرُف
قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا۟ أَوَّلُ ٱلۡعَـٰبِدِينَ (٨١) سُبۡحَـٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلۡأَرۡضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَعِندَهُ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (٨٥)​.

سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَفِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۖ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ (٣).

سُوۡرَةُ البَقَرَة
ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَىُّ ٱلۡقَيُّومُ‌ۚ لَا تَأۡخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوۡمٌ لَّهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشۡفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦ‌ۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ‌ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىۡءٍ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَآءَ‌ۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ‌ۖ وَلَا يَـُٔودُهُ ۥ حِفۡظُهُمَا‌ۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡعَظِيمُ (٢٥٥).

سُوۡرَةُ الإخلاص
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (١) ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (٢) لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ (٣) وَلَمۡ يَكُن لَّهُ ڪُفُوًا أَحَدٌ (٤).

سُوۡرَةُ الرَّحمٰن
يَسۡـَٔلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِى شَأۡنٍ (٢٩).

كل ما ذكرته لكم من أسباب من خلال آيات الله، يعطينا الدليل القاطع على عدم استطاعة محمد كمخلوق بشري ولا حتى أي إنسان آخر أن يرى الله. من أجل ذلك أرسل الله تعالى لنا الرسل والأنبياء وأنزل معهم الكتاب كي نستطيع أن نتعرّف عليه، لأنها الطريقة الوحيدة الّتي يُخاطبنا الله من خلالها كبشر ويعرفنا على نفسه لكي يُعلمنا بوجوديته وبسبب وجوديتنا ولكي يتقرب منا ونتقرب إليه، لذلك قال لنا في آية (51) في سورة الشورى:

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُ‌ۚ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَڪِيمٌ (٥١) وَكَذَالِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحًا مِّنۡ أَمۡرِنَا‌ۚ مَا كُنتَ تَدۡرِى مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورًا نَّہۡدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَا‌ۚ وَإِنَّكَ لَتَہۡدِىٓ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ (٥٢
).

هنا يريد الله عز وجل أن يُعلمنا عن أمر في غاية الأهمية، وهو أنّه ما يكون لنا كمخلوقات بشرية أن يُكلِّمُنا الله أو أن نتواصل معه بصفة مباشرة، "إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُ‌". هذا يُعطينا دليلاً قاطعًا على أنَّ الله جل في علاه لم يُكلم الرسول محمد عليه السلام إلاّ "وحيًا"، وأنَّه "تعالى عمّا يصفون" لم يدنو من محمد حتى كان قاب قوسَيْنِ أو أدنى ولم يمدّ يَدًا على صدر محمد والأُخرى على كَتِفِهِ، وأنَّ محمدًا لم يرَ الله بِعين بَصيرتِهِ ولم يتكلم معه بشكل مباشر. مما يؤكد لنا أنَّ الصلة بين الله ومحمد وبين الله وبيننا كبشر ما كانت ولم ولن تكون "إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُ‌". إذًا فلا أحد يستطيع أن يرى أو يكلم الله أو أن يدنو الله منه، لا محمد ولا عيسى، ولا غير محمد وعيسى. هذه الآية تنفي نفيًا قاطعًا وتُدمر تدميرًا كُلِّيًّا قصة معراج المخلوق البشري (الرسول محمد) إلى الجَّبّار جلَّ جَلالُهُ ومقابلته لله ووجوده في حضرة العرش ودنو الله مِنه وغيرها من الأكاذيب الفاسقة الّتي افتروها على الله وعلى رسوله محمد في كُتُب السيرة الباطلة ووحي السنة المزعوم. وكذلك تنفي نفيًا قاطعًا تجسد الله في مخلوق بشري (كالمسيح عيسى ابن مريم) أو في غيره من المخلوقات الأخرى.

 

25. ما هي حقيقة التواصل بين البشر والملآئِكة؟ وهل رأى الرسول محمد جبريل على هيأته الحقيقية؟

يقول علماء وفقهاء الدين في أحاديثهم الباطلة أن محمدًا عرج مع جبريل ورأى الملائكة في السماوات في رحلة المعراج الكاذبة، وإنَّ قولهم هذا هو أكبر كذب وإفتراء على الله ومحمد والملائكة وجبريل.

لماذا لا يستطيع محمد أن يرى جبريل في الأرض على هيئته الحقيقية؟ ولماذا لا يستطيع أيضًا أن يصعد في السماء بِجسَدِهِ لِكي يراه على هيئته الحقيقية؟ الجواب هو وبِعِلمِ الله سُبحانه وتعالى لا يستطيع أيِّ إنسان ولا حتّى الأنبياء والرُسُلْ كبشر أن يتواصلوا مع الملآئِكة بسبب قوة خلق الملائكة. لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى بِعِلمِهِ وقَدَّرَ كُلَّ شيء. لقد خُلِق البشر لِكي يَعيشوا في الأرض ولذلك لا يستطيعون التواصل إلاَّ مع مخلوقات بشرية أرضية أمثالهم. أمّا الملآئِكة والرّوح فقد خُلِقوا في السماوات لذلك فهم يستطيعون أن يتنقَّلوا في السماوات والأرض وما بينهما، ولا يستطيع البشر أن يرونهم أو يتواصلون معهم بِسبب طبيعة وضعف خلق الإنسان وطبيعة وقوة خلق الملآئكة، ولذلك هم من الغَيبِيّات ولا يستطيع البشر التواصل معهم إلاّ إذا كان بينهم قاسم مُشترك في طبيعة الخَلْقْ، حينها إمّا أن تتمثل الملآئِكة بشكل بشر بِإذن الله لِكي يستطيع الإنسان أن يتكلم ويتواصل معها، وإمّا أن يتحول الإنسان من مخلوق بشري إلى مخلوق ملائكي لكي يستطيع أن يرى الملائكة في السماوات وأن يتواصل معها، وهذا أمر مستحيل، لأن طبيعة خلقنا كبشر، والعلم الّذي بواسطته خلقنا الله، لا يُخولانا أن نتحول إلى مخلوقات أخرى. والله عز وجل لم يُرنا أو يخبرنا بأننا نستطيع أن نتحول من مخلوق بشري إلى مخلوق آخر في كتابه العزيز، أمّا بالنسبة للملائكة فلقد أرانا وأخبرنا أنهم يستطيعون بطبيعة خلقهم أن يتمثلوا على شكل بشر للإنسان وبالتالي على أي شكل آخر، تمامًا كما تمثلوا في الأرض على شكل بشر لإبراهيم وللوط وقومه ولمريم لكي تكون هناك صلة مباشرة بين المخلوق البشري  والمخلوق الملائكي لكي نستطيع كبشر أن نقترب منهم.

إنَّ استطاعة الملائكة التَّمَثُّل بشكل بشر هو دليل لنا وعبرة على أنَّ الخالق لا يتمثل في أي شكل أو شيء وإلاّ يكون كالمخلوق (كالملآئكة مثلاً).

الدليل على ما ذكرت عن تمثُّلِ الملائكة بشكل بشر نجده في الآيات التالية:

سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٌ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكًا لَّقُضِىَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (٨) وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ مَلَڪًا لَّجَعَلۡنَـٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ (٩).

هذه الآية تخبرنا أنه إذا أراد الله عز وجل أن يُنزِّل ملكًا إلى الأرض، فإنه يجعله رجلاً أي يعطيه شكل بشر فيصبح لدى الكفار لَبْسْ، فلا يستطيعون أن يعلموا أن هذا الرجل هو في الأصل مَلَكٌ تحوّل إلى بَشَر، ولذلك قال تعالى في آية (9): "وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ مَلَڪًا  لَّجَعَلۡنَـٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ".

سُوۡرَةُ هُود
وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَاهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَـٰمًا قَالَ سَلَـٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَہُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَڪِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡہُمۡ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٍ (٧٠) وَٱمۡرَأَتُهُ قَآٮِٕمَةٌ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَـٰهَا بِإِسۡحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَـٰقَ يَعۡقُوبَ (٧١).

في تلك الآيات البينات نجد أن رسل الله الملائكة ولو تمثلت لإبراهيم على شكل بشر فهم ليسوا ببشر، والدليل قول الله تعالى في آية (70): "فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَہُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ" أي لما رأى إبراهيم عليه السلام أيدي هؤلاء البشر لا تستطيع أن تمسك بالطعام "بالعجل الحنيذ" الّذي قدمه إليهم، وكأن أيديهم غير حقيقية (كالشبح)، علم على الفور أنهم ليسوا ببشر حتى ولو كانوا على هيئة البشر، ولذلك "نَڪِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡہُمۡ خِيفَةً" في آية (70).

سُوۡرَةُ مَریَم
وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانًا شَرۡقِيًّا (١٦) فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتۡ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۟ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمًا زَڪِيًّا  (١٩).

نجد في آية (17) كيف أن جبريل روح الله ورسوله تمثَل لمريم "بشرًا سويًا". ونجد في آية (18) كيف خافت مريم عليها السلام منه عندما رأته، لقولها له: "إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا"، وهذا أكبر دليل على أنَّ جبريل عليه السلام لم يكن بشرًا  حقيقيًا حتى لو تمثل على شكل بشر.
 

إذا كان الملآئكة يستطيعون أن يتحولوا إلى بشر ولا يستطيعون أن يتجسدوا في البشر بسبب قوة خلقهم، فكيف إذًا تجسد الله والروح القُدس جبريل في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؟ ولقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أن الملائكة عندما تمثلوا بشكل بشر لم يستطيعوا الأكل والشرب، وهم ليسوا بحاجة إلى الأكل والشرب لأنهم ليسوا مخلوقات بشرية، فما هي حاجة المسيح إذًا للأكل والشرب والنوم إذا كان الله قد تجسد فيه بزعم العقيدة المسيحية الباطلة؟ ألم يكن الله يستطيع أن يُغنيه بقوته عن الأكل والشرب والنوم تأكيدًا منه على ألوهِيَّتِهِ وظهوره وتجسده فيه؟ من أجل ذلك أعطانا تعالى مثل الملائكة في آية (69) و(70) من سورة هود الّتي ذكرتها لكم سابقًا:

سُوۡرَةُ هُود
وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَاهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَـٰمًا قَالَ سَلَـٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَہُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَڪِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡہُمۡ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٍ (٧٠).

وإذا كنا نحن كمخلوقات بشرية لا نستطيع أن نرى الملائكة بسبب قوتهم -وهم في النهاية مخلوقات وليسوا بآلهة- إلاّ إذا تمثلوا لنا على شكل بشر، فكيف نستطيع إذًا أن نرى الله الإلآه الخالق؟ هل تمثَّل لنا أيضًا بشكل بشر كالملائكة؟ بمعنىً أصحّْ، هل قدرة الخالق تُحَدّْ كقدرة المخلوق؟ وإذا كنا نحن كبشر لا نستطيع أن نعرج أي نرقى أي نصعد في السماء ولا أن نتمثّل بأي شكل أو صورة مثل الملآئكة بسبب طبيعة ومحدودية وضعف وطبيعة خلقنا، فكيف استطاع الرسول محمد أن يعرج في السماء؟ هل هو مخلوق بشري خارق دونًا عن سائر البشر ومختلف عنهم؟ ومن أين أتت قصة المعراج الكاذبة؟

 

26. آيات من سورة الإسراء تنفي وتدمر المعراج:

هناك آيات من سورة الإسراء تنفي وتدمر المعراج. هذه الآيات هي التالية:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ‌ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)
 وَلَٮِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَڪِيلاً (٨٦) إِلَّا رَحۡمَةً مِّن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ فَضۡلَهُ كَانَ عَلَيۡكَ ڪَبِيرًا (٨٧) قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورًا (٨٩) وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا (٩٠) أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفۡجِيرًا (٩١) أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٌ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَـٰبًا  نَّقۡرَؤُهُ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّى هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولاً (٩٣) وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (٩٤) قُل لَّوۡ كَانَ فِى ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰٓٮِٕڪَةٌ يَمۡشُونَ مُطۡمَٮِٕنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَڪًا رَّسُولاً (٩٥)​.

إنَّ تلك الآيات البيِّنات من آية (88) إلى (93) في سورة الإسراء تنفي نفيًا تامًا أي معجزة أعطاها الله عز وجل لِرسولِهِ الأمين محمد، إلاّ معجزة القرءان. وإنَّ آية (93) تنفي أيضًا نفيًا قاطعًا أنَّ الرسول محمد عرج أو بِالأحرى صعد في السماء بِجسدِهِ. لقد طلب أكثر الناس الّذين كفروا من محمد أن يأتي لهم بِمُعجزات كثيرة ومنها أن يَرْقَىَ في السماء، أي أن يعرج في السماء، لقولهم له في آية (93): "أَوۡ تَرۡقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَـٰبًا نَّقۡرَؤُهُ"، لكنَّ الرسول صلوات الله عليه بِماذا أجابهُم؟ أجابَهُم بوحي من الله تعالى بقوله لَهُ "قُلْ سُبْحَانَ رَبِّىِ هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً". في تلك الآية لم يجبهم فقط بِأنَّهُ رسول فحسب ولكنَّهُ أجابَهُم أوَّلاً بِأنَّهُ "بَشَرًا" وثانِيًَا بِأنَّهُ "رسولاً" لِكَي يَنْفي لهُمْ نفيًا تامًّا استطاعته "الرُقي" في السماء، أي لكي ينفي لهم "المعراج" أي "الصعود" في السماء، فهو أوَّلاً "بَشَرًا" ليس إلاَّ ولا يستطيع أن يعرج أو يَرقَىَ في السماء بِجَسَدِهِ. وثانيًا هو "رسولاً" ليس إلاَّ، والقرءان هو أعظم وأفضل وأحسن وأقوى آية أرسلها الله عز وجل عليه وحيًا له وللناس أجمعين، وما على الرسول إلاَّ البلاغ المبين أي تبليغ علم القرءان العظيم.

أريد أن أزيد ملاحظة بالنسبة لآية (93): إنَّ جواب الرَّسول محمد أنه لا يستطيع العُروج لِأنَّه "بَشَرًا"، كان بسبب طلب الكُفّار منه أن يَعْرُج في السماء، لقولهم له: "أو ترقى في السماء". أمّا جواب الرَّسول أنَّهُ "رَسولاً" أي أنّ الله أرسله فقط كحامل لرسالة القرءان لا أكثر ولا أقل، كان بسبب طلب الكُفّار منه أن يُنَزِّلَ عليهم كتابًا من السماء عندما قالوا له "ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرأه". من أجل ذلك قال تعالى لنا في الآية التالية (آية 94): "وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً"، وأكمل بقوله في آية (95): "قُل لَّوۡ كَانَ فِى ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰٓٮِٕڪَةٌ يَمۡشُونَ مُطۡمَٮِٕنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَڪًا رَّسُولاً"، تأكيدًا منه على استحالة رُقي أو معراج الرسول محمد في السماء لأنه مخلوق خلقه تعالى كي يعيش في هذه الأرض لا في السماء. إذًا فإنَّ كل مخلوق يعيش في هذه الأرض وإن كان ملكًا وإن كان يعيش مُطمئنًا في هذه الأرض، فسوف  يُنزل الله عليه من السماء ملكًا رسولاً لكي يوحي إليهم بكتابه، بدلاً من أن يبعث برسول منهم من الأرض ويجعله يرقى أو يعرج في السماء لكي يُنزل من السماء على تلك المخلوقات الأرضية (الملآئكة!!!) كتابًا يقرؤنه.

أما بالنسبة لطلب الكفار من محمد أن يأتيهم بمعجزات مختلفة بقولهم له (90)، (91)، (92) و(93): "وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا (٩٠) أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفۡجِيرًا (٩١) أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٌ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَـٰبًا نَّقۡرَؤُهُ... (٩٣)"، فإنَّ جميع تلك الآيات البينات تنفي نفيًا قاطعًا أية معجزة فعلية قام بها الرسول محمد عليه السلام، لذلك كان جوابه للكفار وقوله لهم بأمر ووحي من الله تعالى في آية (93): "قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّى هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولاً". وإنَّ جميع تلك الآيات تنفي جميع المُعجزات الّتي نُسِبَت إلى الرسول محمد الّتي ذُكِرَتْ في كتب الأحاديث والسنة والسيرة النبوية الكاذبة،  والّتي محمد بريءٌ منها.

هل وجود آية تنفي المعراج وردت بالذات في سورة الإسراء هو مصادفة؟ لا أظن ذلك. بما أن آية (93) الّتي وردت في سورة الإسراء تنفي وتدمر المعراج، فإني أستطيع أن أقول لكم أن سورة الإسراء بذاتها تنفي وتدمر المعراج.

لقد ذكر الله تعالى لنا قصص كثيرة ومُفصَّلة للأنبياء والُّرُسُل في القرءان الكريم، فأين ذِكْره تعالى لقصة الإسراء والمعراج؟ ولو كانت هذه القصة هي فعلاً حقيقة وليست أسطورة، فلماذا لم يذكرها الله تعالى لنا في القرءان، عِلمًا بأنها لو حصلت فعلاً لكانت من أهم وأقوى المُعجِزات ولكانت دليلنا الواضح والمؤكد للصلوات الخمس؟

هل من المهم أن يعرج الرسول محمد في السماء بجسده أو أن تكون له معجزات خارقة حتى نؤمن به كرسول مُرسَل من عند الله؟ ألا تكفي رسالة "القرءان العظيم" التّي هي أكبر وأعظم وأصدق "آية" أُنْزِلَتْ بوحي من الله تعالى، لكي نؤمن بمحمد أنه رسول حامل لرسالة الله؟

 

27. ألا يكفينا هذا القرءان العظيم كآية لنا للإيمان بالله ورسوله؟

إذا عدنا لآية (88) و(89) في سورة الإسراء وقرأناهما بتدبر:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
 قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورًا (٨٩).

نجد بأن القرءان هو أكبر آية (أي دليل وإثبات) وأحسن القول وأفضل العلم وأكمل الأمثال. فهو الرحمة والهدى والنور والبصائِرْ والفرقان، وهو الّذي يُخْرِجُنا من الظلماتِ إلى النور ويهدينا إلى الطريق المستقيم طريق الجنة. إنَّ الإنسان ليس بحاجة لأن يرى أية معجزة مادِّيَة أو فعلية فعلها الرسول لكي يؤمن به أنه رسول حامل لكتاب الله، لأن القرءان هو كافٍ للعبد لكي يؤمن به أنه كتاب من عند الله تعالى. ولكي نستطيع أن نفهم هذا، وضع الله تعالى لنا آيات سورة الإسراء من آية (85) إلى آية (94) بهذا السياق وهذا الأسلوب المنطقي في التسلسل: 

سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ‌ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)
 وَلَٮِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَڪِيلاً (٨٦) إِلَّا رَحۡمَةً مِّن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ فَضۡلَهُ كَانَ عَلَيۡكَ ڪَبِيرًا (٨٧) قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورًا (٨٩) وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا (٩٠) أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفۡجِيرًا (٩١) أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٌ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَـٰبًا  نَّقۡرَؤُهُ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّى هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولاً (٩٣) وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (٩٤) قُل لَّوۡ كَانَ فِى ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰٓٮِٕڪَةٌ يَمۡشُونَ مُطۡمَٮِٕنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَڪًا رَّسُولاً (٩٥)​.

وإنَّ هذا السياق وهذا الأسلوب المنطقي في تسلسل تلك الآيات، هو أولاً بهدف أن يعلمنا الله عز وجل أنَّ القرءان هو وحي من عنده أوحاه لنبيه محمد. وثانيًا بهدف أن يُبيِّن لنا أنَّ هذا القرءان يحتوي على جميع العلوم والأمثال والعبر، ولذلك لا الإنس ولا الجن يستطيعون أن يصلوا إلى ذَرَّةْ من عظمة العلم الإلاهي ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، مهما كانت قوتهم وعلمهم. فما حاجتنا بعد  لمعجزات للرسول، أفلا يكفينا هذا القرءان العظيم كآيةً لنا ودليل على أنه كتاب من صنع الله وليس من صنع البشر، كما أخبرنا الله عز وجل في سورة الزمر والعنكبوت؟

سُوۡرَةُ الزُّمَر
أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ‌ۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنۡ هَادٍ (٣٦).

"أليس الله بكافٍ عبده": يعني، أليس ما أنزل الله عز وجل من وحي هو بكافٍ للعبد حتى يؤمن به؟ أي أليس القرءان هو بكافٍ للعبد لكي يؤمن بالله وبكتابه؟

سُوۡرَةُ العَنکبوت
وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِۦ‌ۖ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۟ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡڪِتَـٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَرَحۡمَةً وَذِڪۡرَىٰ لِقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٥١).

والآن إقرأوا تلك الآيات العظيمة:

سُوۡرَةُ الرّعد
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ‌ۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَہۡدِىٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ (٢٧) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَٮِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِ‌ۗ أَلَا بِذِڪۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَٮِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ (٢٨).

"وَتَطۡمَٮِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِ‌ۗ أَلَا بِذِڪۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَٮِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ" = "وَتَطۡمَٮِٕنُّ قُلُوبُهُم بكتاب ٱللَّهِ‌ۗ أَلَا بكتاب ٱللَّهِ تَطۡمَٮِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ" = "وَتَطۡمَٮِٕنُّ قُلُوبُهُم بالقرءان أَلَا بالقرءان تَطۡمَٮِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ".

سُوۡرَةُ الجنّ
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
قُلۡ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبًا (١) يَہۡدِىٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ‌ۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا (٢).

لقد قال الجن (الّذين هم من فئة الناس ذوي القوة والعقل. وهم في هذه السورة تحديدًا رجال كانوا يؤمنون بالمسيح ويظنون أنَّ الله تجسد فيه) في آية (1): "إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبًا لأنَّ القرءان يحتوي على علوم عظيمة، وعلى منطق عالٍ رفيع الدرجة، وعلى جميع العبر والأمثال والحِكم، ولذلك فهو "يَہۡدِىٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ"، أي إلى العقل والمنطق الأعلى، لأنَّ المنطق والعلم العظيم الموجود في كل آية من آيات القرءان يُظهر الحق ويمحو الباطل ويهدي الإنسان إلى طريق العلم والمعرفة وبالتالي إلى طريق النور، مما يؤدي به إلى دخول الجنة في الآخرة.

سُوۡرَةُ الکهف
قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۟ بَشَرٌ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلاً صَـٰلِحًا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦۤ أَحَدَۢا (١١٠).

هذه الآية الكريمة تؤكد لنا أن الرسول محمد عليه السلام هو بشر مثلنا وليس إنسانًا خارقًا، ولا يستطيع أن يأتي بعِلْمْ القرءان العظيم من نفسِهِ، لأنه بشرٌ مخلوقٌ في هذه الأرض وليس إلاهًا. هذه الآية تؤكد لنا أيضًا أن ما جاء به الرسول محمد عليه السلام من آيات في القرءان عن عبادة الله الواحد هو وحيٌ من عند الله وليس من نفسِهِ. وتؤكد لنا أيضًا مهمة الرسول محمد عليه السلام الّتي جاء بها والّتي أرسله الله عز وجل من أجلها: ألا وهي دعوة الناس إلى لقاءِ الله بخيارهم وبكامل إرادتهم.  أي دعوتهم إلى الجنة بالعمل الصالح وبعدم الإشراك بعبادته أحدًا، أي عدم الإشراك بكتاب الله أي بالقرءان أحدًا (أي كُتُب أخرى).

 

28. إنَّ الله قادر على كل شيء، ألا يستطيع أن يجعل محمدًا يعرج في السماء؟ أو أن يتجسد في المسيح؟

هذان السؤالان طرحهما كثير من الناس. وأنا أريد أن أعطيهم الجواب من بعد أن بيَّنت لهم بواسطة آيات القرءان العظيم أنَّ قصة الإسراء والمعراج وتجسد الله في المسيح ليستا إلاَّ أسطورتين. صحيح أن الله تعالى قادر على كل شيء وقادر على أن يجعل محمدًا يعرج بجسدِهِ في السماء إذا أراد ذلك، أو أن يتجسد في المسيح. ولكنه لو فعل ذلك فهو حاشاهُ يكون أولاً يُخالِفُ ويُناقِض نفسه وألوهيته، وثانيًا يكون يُخالف ويُناقض عِلْمه الّذي بِهِ خلق السماوات والأرض والبشر والملائكة والروح والكون بأسرِهِ. لقد خلق الله سُبحانه وتعالى كل شيء بقدر وبسبب وبعلم وبطبيعة خاصة تتناسب مع كل مخلوق. فإذا جعل الله تعالى محمدًا يعرج في السماء بجسده فسوف تكون النهاية لمحمد ويكون مصيره الموت الحتميّْ لا محالة. ولو تجسد الله في جسد المسيح عيسى ابن مريم لجعله دكًا كالجبل بل أكثر منه، لدمَّرهُ تدميرًا قبل أن يقترب منه ليتجسد فيه. وإذا أراد الله عز وجل أن يجعل محمدًا يعرج في السماء من دون أن يمسسه أي ضرر، أو أراد أن يتجسد في المسيح من دون أن يُدمره، فهذا يعني أن الله تعالى حاشاهُ يكون قبل أي شيء يُخالِفُ نفسه وألوهيته، ويكون يُخالف أيضًا علم خلقِهِ للطبيعة البشرية، وعلم خلقِهِ للسماوات والأرض وما فيهما، وعلم خلقِهِ للحياة، وعِلْمْ خَلْقِهِ للموت، وعِلْمْ خلقِهِ للملائكة، بل أكثر من ذلك يكون حاشاهُ يُخالِفُ ويُناقِضْ جميع عُلومِهِ أي آياتِهِ الّتي وضعها لنا وأخبرنا عنها في القرءان ظاهرًا وباطنًا، وبالتالي يُصبِح هذا القرءان والكون والخلق بأكمله فيهِ عِوَجْ ونقص، وبالتّالي لا يصبح الله الإله، إلاهاً، ويصبح علمه في كل أمر ناقصًا ومتناقضًا، وحاشى لله سبحانه أن يكون علمه ناقصًا  أو متناقضًا، وهو الّذي أخبرنا في كثير من السُور في كتابه العزيز كيف خلق السماوات والأرض بالميزان أي بالعدل، وبقدر وبتناسق وانتظام. سوف أذكر بعضًا منها:

سُوۡرَةُ الزُّمَر
وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (٢٨).

سُوۡرَةُ الرَّحمٰن
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ٱلرَّحۡمَـٰنُ (١) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (٢) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ (٣) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ (٤) ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٍ (٥) وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ (٦) وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِى ٱلۡمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ (٩) وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (١٠) فِيہَا فَـٰكِهَةٌ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (١١) وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ (١٢) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلٍ كَٱلۡفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (١٥) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (١٧) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨) مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ (١٩) بَيۡنَہُمَا بَرۡزَخٌ  لَّا يَبۡغِيَانِ (٢٠) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخۡرُجُ مِنۡہُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ (٢٢) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِى ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ (٢٤) فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥).

سُوۡرَةُ القَمَر
إِنَّا كُلَّ شَىۡءٍ خَلَقۡنَـٰهُ بِقَدَرٍ (٤٩).

سُوۡرَةُ الفُرقان
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَـٰلَمِينَ نَذِيرًا (١) ٱلَّذِى لَهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدًا وَلَمۡ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ ڪُلَّ شَىۡءٍ فَقَدَّرَهُ تَقۡدِيرًا (٢).

سُوۡرَةُ الزّخرُف
وَلَٮِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ (٩) ٱلَّذِى جَعَلَ لَڪُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدًا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيہَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ (١٠) وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٍ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةً مَّيۡتًا كَذَالِكَ تُخۡرَجُونَ (١١).

سُوۡرَةُ الحِجر
وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ (١٦) وَحَفِظۡنَـٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَـٰنٍ رَّجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُ شِہَابٌ مُّبِينٌ (١٨) وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَـٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيہَا مِن كُلِّ شَىۡءٍ مَّوۡزُونٍ (١٩) وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيہَا مَعَـٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠) وَإِن مِّن شَىۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآٮِٕنهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعۡلُومٍ (٢١) وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَـٰحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسۡقَيۡنَـٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُ بِخَـٰزِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡىِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡ‌ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلٍ مِّنۡ حَمَإٍ۬ مَّسۡنُونٍ (٢٦) وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَـٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ (٢٧).

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُ‌ۚ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَڪِيمٌ  (٥١).

 

29. مجموع الأدلة الّذي يُثبت أنَّ قصة الإسراء والمعراج هي أكذوبة كبيرة وأسطورة:

أريد الآن أن أذكر لكم باختصار جميع الأدلة الّتي ذكرت لكم في الأجزاء الثلاثة والّتي تنفي قصة الإسراء والمعراج وتؤكد على أنها أكذوبة كبيرة وأسطورة، والّتي تدل على كذب وإفتراء كتب الأحاديث والسيرة على الله جلّ في علاه وعلى رسوله الأمين محمد صلوات الله عليه:

أولاً: لم يذكر الله تعالى لنا أي شيء عن معجزة المعراج في القرءان وهي إذا أخذنا بها تكون من أكبر المعجزات، ولا يوجد في القرءان كلمة معراج واحدة. لكن يوجد فقط سورة الإسراء وليس سورة الإسراء والمعراج.

ثانيًا: الملائكة هم فقط الّذين يعرجون في السماء، نرى ذلك في سورة المعارج الّتي تختص فقط بالملائكة.

ثالثًا: آيات كثيرة من سورة الإسراء نفسها تدمر وتنفي المعراج:
آية (1) و(2) تنفي المعراج.
آية (60) تنفي بأن الرسول رأى جهنم رؤيا العين وشَهِدَ كيفية عذاب الناس فيها لأن رؤيا الجنة وجهنم رآها في القرءان.
آية (93) تنقي نفيًا قاطعًا صعود محمد في السماء لأن محمدًا ليس إلاّ بشرًا رسولاً، ولا يستطيع بعلم الله وطبيعة خلقه الّذي خلقه الله عز وجل بها أن يصعد بجسده في السماء.

رابعًا: إذا كانت الصلاة أتت من المعراج فهذا يعني أن جميع الأنبياء والرسل السابقين قد عرجوا أيضًا في السماوات السبع  وأمرهم الله ب 50 صلواة، ثم بعد المشاورة مع رسول ما يجلس في سماء ما، خُفِّضت عدد الصلوات من 50 إلى 5 صلوات فرض، لأن الله تعالى لا يُفرق بين أنبيائه ورسله، فلا يعطي أو يأمر كل أمة بصلاة مختلفة عن الأمة الأخرى.

خامسًا: الأنبياء والرسل ميتون ومدفونون في التراب وأصبحوا عظامًا ورُفاتًا، وليسوا أحياءً يجلس كل واحد منهم في سماء مختلفة.

سادسًا: المسجد الأقصى لم يكن موجودًا في زمن محمد، فكيف صلى محمد عليه السلام بالأنبياء إمامًا في باحة المسجد، على الرغم من أنَّ الرسول محمد لم يكن قد تعلم الصلواة بعد لأنه لم يعرج بعد، وعلى الرغم من أنَّ الأنبياء أموات؟ ومتى تعلم محمد الصلواة وتعلم أن يُصلي إمامًا بالناس أي يإم في الناس؟ هل تعلم هذا قبل المعراج أم بعد المعراج؟ وإذا كان يوجد مساجد قبل معراج الرسول في السماء، وكان الرسول يعلم مُسبقًا الصلواة ويعلم كيف يُصلي في الناس إمامًا بدليل أنه صلّى بالأنبياء إمامًا في باحة المسجد، فلماذا يفرض الله تعالى عليه من الأساس الخمسين صلواة في رحلة المعراج؟ وما حاجة الرسول أصلاً  إلى المعراج؟

سابعًا: لا توجد جنة وجهنم بعد، لأن الجنة وجهنم كما أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم سوف يخلقهما في الآخرة بعد فناء  السماوات السبع والأرض. فكيف إذًا رأى محمد عليه السلام الجنة وجهنم في رحلة المعراج الكاذبة وشهد كيفية عذاب الناس في جهنم؟

ثامنًا: آيات سورة النجم تنفي وتدمر المعراج.

تاسعًا: هل خلق الله محمدًا عليه السلام بطريقة مختلقة عن باقي البشر، لذلك يستطيع أن يعرج في السماء دونًا عن سائر البشر؟

عاشرًا: هل يسمح الله تعالى لمحمد أن يراه ويدنو منه ولم يسمح لباقي الأنبياء والرسل وجميع البشر بذلك؟ هذا ليس عدلاً. وهل يستطيع محمد أن يرى الله أو أن يدنو منه الله وهو الّذي جعل الجبل دكًا في آية (143) من سورة الأعراف، وبعد ما بينه لنا في آية (51) من سورة الشورى؟

بعد كل ما ذكرت لكم في هذه الأجزاء الثلاثة، نجد من خلال جميع آيات القرءان الّتي ذكرتها لكم فيها أن قصة الإسراء والمعراج ليست إلاّ أسطورة خيالية كاذبة لم تحدث مع الرسول محمد صلوات الله عليه.

 

30. في الختام:

يقولون بِأنَّ سورة النجم هي المعراج، وأنا أقول بِأنَّ آيات سورة النجم مُتَشابِهة مع آيات سورة الإسراء، وأنَّ ليلة الإسراء هي ليلة القدر، وأنَّ كلمة معراج لم تُذكر في آيات سورة النجم ولا في كل آيات القرءان الكريم. وإذا كان هناك معراجًا كما يزعُمون، فلِماذا لم يذكرَه الله تعالى كما ذكر الإسراء في القرءان العظيم؟ ولِماذا لم يُسَمِّ الله سورة الإسراء بِسورة الإسراء والمِعراج، أو يُسمي سورة النجم بِسورة المِعراج؟ لِماذا لم يذكر الله لنا هذه المعجزة الخارقة، الّتي لو كانت فعلاً قد حدثت فهي ستكون من أكبر المعجزات؟ ولماذا لم يذكر تعالى لنا قصة الإسراء وتفاصيلها الكاذبة الّتي أتت بها كتب الأحاديث والسيرة؟

نرى من خلال آيات القرءان العظيم أن سورتَيّ الإسراء والنجم تنفيان نفيًا قاطعًا قصة الإسراء والمعراج الخيالية ووَحْيُ السُّنَّة المزعوم، لِأنَّ الّذي لا ينطق عن الهوى هو فقط القرءان العظيم، والنجم هو وَحي القرءان. وبِما أنَّ الصلوات الخمس أتت مِن قِصَّة المعراج الخيالية، وقصة المعراج أتت من وحي السنة المزعوم، ووحي السنة هو أكبر أكذوبة صُنِعَتْ في تاريخ البشرية، أتى من خلال وحي بشر (أقاويل وأحاديث وأكاذيب) تداولوه عبر الزمن حتى يومنا هذا، إذًا تصبح الصلوات الخمس هي أيضًا أكبر أكذوبة تاريخية.

أعود وأكرر للمرة الألف، أينَ المعراج ووَحْيُ السُّنَّة في القرءان الكريم؟ وأين الصَّلوات الخمس؟ لِماذا فصَّلَ الله تعالى لنا كل شيء ولم يذكُر لنا الصلوات الخمس مع تفاصيلها وعدد ركعاتها وطريقة إقامتها؟ لِماذا فصَّل الله لنا كيفية الإغتسال في آية (6) من سورة المائِدة، ولم يُفصِّل لنا كيفية الصلوات الخمس، علِمًا بِأنّها كما يقول علماء الدين، هي عماد الدين وهي الرّكن الأساسي في الدين الإسلامي، وتارِكُها يدخل جهنَّم.

أنتم رُبَّما تتساءلون، هل هناك صلواة؟ وأنا أٌجيب، أجل بالتأكيد هناك صلواة، لأن أكثر الآيات القرءانية تتكلم عن الصلواة وإقامتَها.  ولكنَّ السؤال هنا، ما هي الصلاة الحقيقية الّتي ذكرها الله تعالى لنا في القرءان الكريم والّتي فَرَضَها علينا وأمر جميع الأنبياء والرُسُل وجميع الناس بِإقامَتِها؟

سوف أبين لكم وأثبت لكم حقيقة الصلواة والغُسْلْ، السجود والركوع، القبلة والمسجد الحرام، وفقط من آيات الذكر الحكيم، في مقالات ومواضيع قادمة إن شاء الله.

 

والسلام عليكم

23 Apr 17, 2016